لا يعدّ استهداف مبنى ينشط فيه مستشارون إيرانيون في سوريا أمراً مستغرباً، في ظل علانية المقارّ التي يتمركز فيها هؤلاء في العاصمة دمشق وفي المدن السورية الأخرى، والتي جلاها مثلاً توافد مختلف وسائل الإعلام إلى المنطقة الواقعة ضمن تجمع ديبلوماسي وتجاري وسكني، عقب الهجوم الأخير. كما لا يعدّ وجود المستشارين العسكريين الإيرانيين في سوريا أمراً مستحدثاً أو مستجداً، إذ تربط البلدين الحليفين علاقات سياسية واقتصادية متينة تعود إلى ما قبل اندلاع الحرب في سوريا بعقود، غير أن الحرب التي شهدتها البلاد ساهمت في رفع العلاقات إلى أعلى المستويات، وخصوصاً مع الدعم المعلن الذي تقدمه طهران لفصائل المقاومة ضد الوجود الأميركي غير الشرعي في سوريا، بالإضافة إلى دعمها لحركات المقاومة الفلسطينية. غير أن توقيت العدوان الإسرائيلي الأخير على المزة، وذلك الذي سبقه على منطقة السيدة زينب، وما تخللهما من اغتيال مباشر لقادة «الحرس الثوري»، يفتح الباب أمام احتمال وجود اختراق أمني ساهم في منح إسرائيل توقيتاً تمكّنت من خلاله من تنفيذ الاغتيالات. كما يكشف عن جهود استخبارية إسرائيلية متواصلة مهّدت لإتمام هذه الضربات، التي طاولت إحداها صالح العاروري، نائب رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس»، عبر غارة شنتها طائرة بدون طيار على مكتبه في الضاحية الجنوبية لبيروت.
وكانت وزارة الدفاع السورية قد أعلنت، في بيان مقتضب، أن «إسرائيل شنت عدواناً عبر صواريخ تم إطلاقها من فوق الجولان السوري المحتل، تمكنت قوات الدفاع الجوي من إسقاط معظمها»، فيما وصل صاروخان إلى هدفهما، الأمر الذي تسبّب بدمار كبير في مبنى مؤلف من ثلاث طبقات في حيّ المزة في دمشق، بالإضافة إلى أضرار مادية كبيرة في الأبنية المحيطة. وعقب ذلك، أعلن «الحرس الثوري» استشهاد مستشاريه، ضمن سياسة يتبعها تقضي بعدم التعتيم على أي اغتيالات يتعرّض لها مقاتلون أو قادة منه، في وقت تعهّد فيه الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، بالرد على «الجرائم الإسرائيلية الجديدة (التي) تنتهك جميع القوانين والأعراف الدولية، وتجري في ظل دعم الولايات المتحدة وصمت المجتمع الدولي». ومن جهته، أكد وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان أن «عمل المستشارين العسكريين سيتواصل في سوريا في مكافحة الإرهاب وضمان أمن المنطقة بقوة»، مشدداً على أن «النظام الإسرائيلي هو الشريك الرئيس للحركات الإرهابية والعدوّ من الدرجة الأولى للأمن الإقليمي». وأضاف: «مما لا شك فيه أن هزيمة الصهاينة ضد إرادة شعب غزة لا يمكن تعويضها بمثل هذه الأعمال الإرهابية الجبانة».
شنّت قوات المقاومة هجوماً، يعدّ الأعنف على قاعدة «عين الأسد» الأميركية في العراق


أما وزارة الخارجية السورية، فأكدت، بدورها، في بيان، ارتباط هذه الاعتداءات بحرب الإبادة الإسرائيلية ضد الفلسطينيين في غزة. وإذ دعت «المجتمع الدولي إلى التحرك الفوري لوقف هذه الجرائم والمجازر التي يرتكبها الكيان الصهيوني بحق الأبرياء المدنيين والممتلكات المدنية، والتي تخلّ بالأمن والسلم الإقليمي والدولي، وتنتهك مقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة، والأهداف التي قامت من أجلها المنظمة»، فهي طالبت «دول العالم بالوقوف في وجه سياسات الإبادة الجماعية التي يمارسها الكيان الإسرائيلي في المنطقة العربية»، وكذلك «مجلس الأمن بتحمل مسؤولياته في الحفاظ على الأمن والسلم الدوليّين، ومساءلة المجرمين الصهاينة، سياسيين وعسكريين، ووضع حدّ لسياساتهم اللاإنسانية واللاأخلاقية». وفور وقوع العدوان، قدمت فصائل من المقاومة الفلسطينية، من جهتها، تعازيها، ومن بينها «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين» و«حركة الجهاد الإسلامي» التي انتشرت شائعات حول استشهاد قياديين منها جراء العدوان الأخير، قبل أن تنفي هي ذلك وتؤكد أن جميع كوادرها في سوريا بخير.
وبعد ساعات قليلة على الاعتداء الإسرائيلي على منطقة المزة، شنّت «المقاومة الإسلامية في العراق» هجوماً، يعدّ الأعنف، على قاعدة «عين الأسد» الأميركية في العراق، ضمن العمليات المتواصلة التي تستهدف الوجود الأميركي في سوريا والعراق، فيما أعلنت «القيادة المركزية الأميركية» (سنتكوم)، أن «عدداً من الجنود الأميركيين يخضعون لتقييم إصابات في الدماغ» جراء هذه الهجمات. وأمس، أعلنت المقاومة العراقية استهداف «قاعدتين للاحتلال الأميركي في حقل العمر والشدادي في العمق السوري، بطائرات مسيرة».
والجدير ذكره، هنا، أن حرب الاغتيالات الإسرائيلية التي زادت حدّتها في ظل فشل العدو في حسم حرب غزة، جاءت بعد حملة اعتداءات إسرائيلية طاولت، بشكل أساسي، منظومات الدفاع الجوي السورية، وأجهزة الإنذار المبكر، والتي تعرّضت منذ بدء الحرب في سوريا لاستهداف مباشر من الفصائل «الجهادية»، التي هاجمت مقارّ الدفاع الجوي في مناطق عديدة. وتضاف إلى ذلك، صعوبة نشر تلك المنظومات بشكل متوازن ومحكم على الأراضي السورية جراء خروج مناطق عديدة عن سيطرة الحكومة، إلى جانب استمرار اشتعال خطوط التماس في الشمال السوري، وتصعيد مسلّحي تنظيم «داعش» هجماتهم ضد القوات السورية في البادية الممتدة إلى قاعدة «التنف» الأميركية غير الشرعية، والتي تتهم دمشق وموسكو القائمين عليها بدعم «داعش».