داخلياً وخارجياً، تتزايد الضغوط على رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، من تنظيم أهالي الأسرى مسيرات مناهضة له بمشاركة أحد أعضاء "مجلس الحرب"، بيني غانتس، مروراً بما يتكشّف تباعاً من انقسامات بينه وبين ووزير حربه يوآف غالانت، وصولاً إلى تمرّد شخصيات برلمانية من داخل حزب "الليكود" نفسه عليه. أما آخر حلقات تلك الضغوط، فكان بطلها رئيس الأركان الأسبق، والعضو في "مجلس الحرب"، غادي آيزنكوت، الذي انتقد، عبر وسائل إعلام أميركية، طريقة إدارة نتنياهو للحرب، فيما رأى مراقبون أنه ربّما جاء بتشجيع مستتر من البيت الأبيض، ولا سيما أنه تزامن مع ما بدأ يُشاع عن أن إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، في صدد وضع سيناريوات لمرحلة ما بعد نتنياهو.
نتنياهو - بايدن: صراع "الإخوة الأعداء"
في ظلّ تسارع وتيرة الضغوط على إسرائيل، من جراء إخفاقها الجليّ في تحقيق أهداف الحرب، يكثر الحديث عن "جفاء مستجدّ" بين بايدن ونتنياهو، جلاه انقطاع الرجلَين عن التواصل، لمدّة تقارب الشهر، إثر مكالمة شابها التوتّر. وفي محادثاتهما الهاتفية الأخيرة، قبل نحو أسبوع، استعاد الرجلان عناوين الخلاف الأميركي - الإسرائيلي، وبخاصة تلك المتعلّقة بآفاق ما بعد حرب غزة، وتحديداً مسألة "حلّ الدولتين". وفي هذا الصدد، أشارت شبكة "إن بي سي" إلى وجود انقسامات متزايدة بين الجانبين، باتت أكثر وضوحاً منذ زيارة بلينكن الأخيرة لتل أبيب، التي تجاهلت كل مطالب حليفتها الأميركية بخصوص طريقة إدارة الحرب، ومستقبل "عملية السلام" مع الفلسطينيين. كما نقلت الشبكة عن مسؤولين أميركيين قولهم إن البيت الأبيض "يتطلّع إلى ما بعد نتنياهو لتحقيق أهداف الإدارة الأميركية في المنطقة".
ويتقاطع ذلك مع ما أوردته صحيفة" يديعوت أحرونوت"، نقلاً عن مصادر مقرّبة من الرئيس الأميركي، حول انزعاج الأخير من إصرار نتنياهو على "القتال حتى النصر في غزة"، وهو كلام فسّرته دوائر البيت الأبيض على أنه مؤشر إلى أن نتنياهو يطيل أمد الحرب في غزة لأسباب سياسية وشخصية. ومن هذا المنطلق، يرى محلّلون غربيون أنه يتعيّن على رئيس الحكومة الإسرائيلية أن يتوقّع المتاعب والضغوط، سواء على المستوى الدولي، في ظل الدعوات المستمرة رسمياً وشعبياً إلى وقف الحرب، ومخاوف حلفائه الغربيين من احتمالات نشوب صراع إقليمي أوسع؛ أو على المستوى الداخلي، مع مطالبة عائلات الأسرى حكومتهم بالعمل على استعادتهم وإن عبر التفاهم مع "حماس"، وإعادة النظر في أهداف الحرب، علماً أن هذه المطالب باتت تحظى بتأييد زعيم المعارضة، يائير لابيد، الذي حذّر من الانعكاسات السلبية لنهج الحكومة الحالية على العلاقات مع الولايات المتحدة، داعياً إلى إطاحتها وإجراء انتخابات مبكرة، وهي دعوة أيّده فيها رئيس حزب "إسرائيل بيتنا"، أفيغدور ليبرمان.
والواقع أن الخشية الأميركية من توسّع الحرب، والتي قد تدفع الولايات المتحدة إلى تأليب الساحة الداخلية الإسرائيلية ضدّ نتنياهو، بدأت تكتسب زخماً مع تدنّي شعبية زعيم "الليكود" إلى حوالي 30%. وفي هذا السياق، اعتبر موقع "المونيتور" أن "صبر واشنطن حيال نتنياهو قد نفد"، لافتاً إلى أن موظفي الخارجية ومسؤولي الإدارة يشكّكون في عقلانية سلوكه، ويحذّرون من أنه قد يجرّ إسرائيل والمنطقة إلى حرب شاملة، وهو أمر لا تحبّذه واشنطن التي تسعى إلى استئناف "ورشة التطبيع الإقليمي" لدمج إسرائيل في الشرق الأوسط، وعزل إيران.

أصوات ديموقراطية وجمهورية ناقدة لنتنياهو
في المقابل، ثمّة مَن يشكّك في "حسن نوايا" خطاب بايدن تجاه الفلسطينيين، ويضع الرئيس الثمانيني على قدم المساواة مع نتنياهو، لناحية سعيه خلف بقائه في سدّة الحكم، عبر خداع الرأي العام في بلاده، معتبرين أن كلامه المستمرّ عن "حلّ الدولتين" يأتي في سياق "الخطاب الانتخابي" و"الفولكلور السياسي" الذي دأب عليه أسلافه، وخصوصاً أن بايدن، كان في عداد المعارضين لبدء "عملية السلام" بين الفلسطينيين والإسرائيليين مطلع التسعينيات، إلى جانب تساهله حيال النشاطات الاستيطانية الإسرائيلية خلال فترة توليه منصب نائب الرئيس في عهد الرئيس الأسبق، باراك أوباما.
وبحسب صحيفة "نيويورك تايمز" ، فإن جانباً من سلوك بايدن المتغيّر تجاه نتنياهو نابع من ضغوط داخلية، وبخاصّة تلك التي يمارسها أعضاء الكونغرس عن الحزب الديموقراطي، وفي طليعتهم بيرني ساندرز، الذي دعا إلى تقييد الدعم العسكري الأميركي المقدّم إلى إسرائيل، والسيناتوران جيف ميركلي، وكريس فان هولين، اللذان سبقت لهما الدعوة إلى "وقف الأعمال العدائية في غزة". وإضافة إلى توقيع نحو 16 نائباً يهودياً ديموقراطياً، بياناً دانوا فيه تصريحات نتنياهو في شأن مستقبل الدولة الفلسطينية، بدا لافتاً، بروز أصوات من الديموقراطيين والجمهوريين على السواء، متحمّسة لرحيل الحكومة الإسرائيلية، على غرار رئيس اللجنة الفرعية للعلاقات مع الشرق الأوسط في مجلس الشيوخ، كريس ميرفي، الذي شدّد على أن معارضة نتنياهو لقيام دولة فلسطينية قد تؤدي إلى تعقيد مصادقة مجلس الشيوخ على حزمة المساعدات العسكرية لإسرائيل.
وفي السياق نفسه، تنقل صحيفة "نيويورك تايمز" عن مسؤول أميركي رفيع قوله إن "إدارة بايدن باتت مقتنعة على نحو متزايد بأن الإسرائيليين يرفضون الاستجابة لنصائحها"، وإنه "أصبح من غير المجدي حثّ الإسرائيليين على تغيير سلوكهم، فيما أولوية واشنطن قد تحوّلت اليوم نحو التسامح إزاء استمرار العملية الإسرائيلية على وتيرتها (الحالية) المكثّفة، طوال أيام شهر كانون الثاني الجاري، على أن تشرع في ضغوطها للتخفيف من وتيرة تلك العملية بحلول شهر شباط المقبل". ومع ذلك، تضيف الصحيفة نفسها أن البيت الأبيض "بدا حتى الساعة غير راغب، أو غير قادر على ممارسة تأثير فاعل على كيفية إدارة الجيش الإسرائيلي للحرب".
وفي ضوء ما سبق، يخلص نائب المدير التنفيذي لـ"مركز السياسة الدولية"، مات دوس، في حديث إلى الصحيفة، إلى أنه "إذا كان الرئيس محبطاً حقاً (من نتنياهو)، فإن لديه الكثير من وسائل الضغط بحوزته، والتي يمكن أن يستخدمها" لدفع الإسرائيليين إلى الانصياع لما تطلبه الولايات المتحدة، معتبراً أن "الدعم غير المشروط (لإسرائيل) ليس الطريقة الفضلى لحثّ أحدهم على تغيير سلوكه، والتصرّف بشكل مختلف". وفي الاتّجاه نفسه، تقول صحيفة "فايننشال تايمز"، إنه يمكن بايدن أن يطيح نتنياهو من خلال فرض شروط صارمة على المساعدات الأميركية إذا أراد ذلك، بصورة تجعله يكسب احترام الإسرائيليين والعالم العربي وأغلبية الأميركيين اليهود، وتتيح استعادة بعض الرصيد المعنوي والسياسي الذي خسرته واشنطن في الجنوب العالمي بسبب معاييرها المزدوجة في حربَي غزة وأوكرانيا. وبحسب الصحيفة البريطانية، فإنه "كلّما طال تشبّث نتنياهو بالسلطة، كان ذلك أسوأ بالنسبة إلى بايدن".