رام الله | وفّر العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة البيئة المناسبة لمجالس المستوطنات في الضفة الغربية المحتلّة، لتكثيف حربها على التجمّعات البدوية، وذلك بهدف تهجير تلك التجمّعات، والسيطرة على الأراضي التي تقطنها بشكل نهائي. وتمثل هذه الحرب ذروة أحد أشكال الاستيطان الأكثر فاعلية لسرقة الأراضي، أي الرعوي، والذي يقوم بموجبه مستوطن أو مجموعة مستوطنين برعي أغنامهم في عشرات الدونمات لعدة أيام، ومن ثم يسيّجونها ويستوطنون فيها. ويشكل تجمّع «وادي السيق» البدوي شرقي رام الله، والذي كان يؤوي نحو 40 أسرة فلسطينية جرى ترحيلها والاستيلاء على ممتلكاتها، مثالاً صارخاً على ذلك، إذ تكثّفت بعد الحرب هجمات المستوطنين - التي كانت قد بدأت قبل عام - على التجمّع، الذي يرتدي هؤلاء، في خلال إغارتهم عليه، زيّ جيش الاحتلال، مستخدمين أسلحته النارية لتهديد البدو ورعاة الأغنام بالقتل، ومعتدين عليهم وعلى ممتلكاتهم، بغية طردهم. كذلك، كثّف المستوطنون هجماتهم على مسافر يطّا المستهدفة منذ سنوات، تمهيداً للسيطرة على تجمّعاتها وتهجير أصحابها - على غرار ما جرى في تجمّعَي خربة «زنوتا» وخربة «ودادي» اللذين هُجّر أهلهما بشكل كامل -، فضلاً عن نصب المستوطنين عشرات الخيام على رؤوس الجبال القريبة من المنطقة والسيطرة عليها.
ويتعرّض البدو، منذ احتلال الضفة الغربية، لملاحقات واعتداءات، تنوّعت ما بين هدم بيوت وبركسات وخيام، وطرد أصحابها لفترات زمنية بذريعة إجراء تدريبات عسكرية في مناطقهم، وإعلانها مناطق عسكرية مغلقة، فضلاً عن مصادرة ممتلكاتهم، من مثل الجرارات وصهاريج المياه وقطعان المواشي، واعتقال الرعاة وتدفيعهم غرامات مالية أرهقتهم مالياً. وبالفعل، سيطر المستوطنون، من خلال البؤر الرعوية، على مساحات تعادل ضعف المساحة التي سيطرت عليها المستوطنات المُقامة منذ احتلال الضفة، فيما يترقّب هؤلاء شرعنة حكومة الاحتلال لهذه البؤر، بعد وعود أطلقتها الأخيرة بجعل نحو 35 بؤرة قانونية.
الخطر يحدق اليوم بالتجمعات القائمة في مناطق الأغوار (22 تجمّعاً) وجنوب الخليل (18 تجمّعاً)


أما الأغوار الشمالية، فتبقى المنطقة الأهمّ التي يطمح المستوطنون إلى السيطرة عليها وتهجير أهلها، بإيعاز من مجالس المستوطنات والحكومة، علماً أن هذه المنطقة تعدّ ذات أهمية سياسية واقتصادية لسلطات الاحتلال، التي أكدت مراراً رفضها التنازل عنها في أيّ حلّ سياسي، وتمسّكها بإبقاء السيطرة الإدارية والأمنية عليها. وكثّفت إسرائيل، أخيراً، من إجراءاتها التنكيلية في الأغوار، بفرضها غرامات مالية باهظة على البدو لترحيلهم، فضلاً عن مصادرة المواشي، على غرار ما حصل مع مربّي الماشية، إياد أدعيس، من منطقة الجفتلك، والذي أجبره الاحتلال، قبل أيام، على دفع 150 ألف شيكل (40 ألف دولار) في حال رغب في أن يسترّد ماشيته التي تمّت مصادرتها، حين كان يرعاها بالقرب من مستوطنة «مسواه». وفي السياق نفسه، يواجه المواطن قدري دراغمة، من سكان عين الحلوة، غرامات مالية، آخرها 144 ألف شيكل (38.5 ألف دولار)، يتوجّب عليه دفعها مقابل الإفراج عن 48 رأس بقر استولى عليها الاحتلال أثناء رعيها في الأغوار، وكانت قد سبقتها غرامة مالية قُدرت بـ 49 ألف شيكل (13 ألف دولار) مقابل الإفراج عن 19 رأس بقر. والجدير ذكره، هنا أيضاً، أن المستوطنين استخدموا، في أكثر من مرة، الطائرات المسيّرة لسكب مواد كيميائية حارقة على خيام البدو، على غرار ما جرى حديثاً في تجمّع عرب الرشايدة، شرقي بيت لحم.
ويقول مدير التوثيق في «هيئة مقاومة الجدار والاستيطان»، أمير داود، إن «الترحيل القسري للتجمّعات البدوية لم يبدأ بعد 7 أكتوبر، وإنما منذ اللحظة الأولى التي دعمت فيها إسرائيل وشجعت البؤر الرعوية الاستيطانية في الضفة». ويضيف، في حديث إلى «الأخبار»، أن «عام 2015 كان عاماً فارقاً، حيث بنيت، بعده، نحو 71% من البؤر الاستيطانية، التي يتركّز جلّها في الشريط الجغرافي المطلّ على السفوح الشرقية للضفة»، علماً أن هذه السفوح تبدأ من الأغوار الشمالية وتنتهي في مسافر يطا، وهي المناطق التي تتواجد فيها كل التجمّعات البدوية. ويهدف زرع البؤر الاستيطانية في تلك المناطق، بحسب داود، إلى «خلق بيئة قاهرة طاردة للتجمّعات البدوية، بحيث يقوم المستوطنون بحرمان البدو ورعاة الأغنام فيها من مساحات الرعي»، علماً أن 18% من مساحة الضفة الغربية مصنّفة كمناطق تدريب عسكري يُمنع الرعاة من الدخول إليها، وجلّها يقع في السفوح الشرقية. ويشير إلى أن «المستوطنين سيطروا على مصادر المياه في السفوح الشرقية، وبالتالي بات الرعاة غير قادرين على رعي أغنامهم وسقايتها»، متابعاً أنهم «شرعوا، منذ السابع من أكتوبر، في تهديد المواطنين بالترحيل أو القتل، وتنفيذ اعتداءات مباشرة طاولت بعضها طواقم الهيئة، والاعتداء عليهم بشكل وحشي في وادي السيق»، موضحاً أن «22 تجمّعاً بدوياً، تتألف من 1537 مواطناً، تمّ ترحيل أهلها منذ 7 أكتوبر فقط»، معتبراً أنه «لولا الحرب الدموية في غزة، لتسبّب هذا التهجير القسري بحَراك كبير وضجة حول العالم، كوْنه يُعتبر جريمة حرب».
وبعدما تركّز التهجير القسري، في الفترة الماضية، على التجمّعات البدوية في شرق رام الله، وشرق أريحا، يلفت داود إلى أن الخطر يحدق اليوم بالتجمّعات القائمة في مناطق الأغوار (22 تجمّعاً)، وجنوب الخليل (18 تجمّعاً)، بعدما باتت «ملاحظة، في الأسابيع الماضية، ظاهرة حجز المواشي وفرض غرامات مالية باهظة وكبيرة على رعاة الأغنام هناك، ما يشي بأن ثمة سياسة جديدة لتضييق الحياة على البدو وتهجيرهم». وبالنظر إلى طبيعة الشريط المستهدف (السفوح الشرقية)، وتمسّك إسرائيل بهذه المساحة منذ أول يوم لاحتلالها، يرى داود أن «المستوطنين مدفوعون من حكومة الاحتلال لتنفيذ تلك الهجمات، وخاصة أن البدو هم حرّاس الأرض الحقيقيون، وإزاحتهم تؤدي إلى تفريغها وتسهيل السيطرة عليها».