تتضارب المعلومات المتداولة حول الصفقة المحتملة لتبادل الأسرى، بعد أن أرسلت إسرائيل عرضاً جديداً لصفقة على مراحل، تترافق مع هدنة مؤقّتة قد تمتدّ لشهرين. وقالت مصادر لوكالة «رويترز»، أمس، إن «إسرائيل وحماس أحرزتا بعض التقدّم نحو الاتفاق على وقف إطلاق نار في قطاع غزة لمدة 30 يوماً، يُطلق في خلالها سراح أسرى إسرائيليين وفلسطينيين». وأشارت المصادر إلى أن «الجانبين ما زالا على خلاف بشأن كيفية إنهاء الحرب، وأن حماس رفضت المضيّ قدماً (في الصفقة) حتى تتمّ تسوية هذا الخلاف». وفي المقابل، نفت المتحدّثة باسم الحكومة الإسرائيلية، إيلانا شتاين، التقارير التي أفادت باحتمال التوصّل إلى اتفاق جديد، وقالت: «لن تتخلّى إسرائيل عن تدمير حماس وإعادة جميع الرهائن، ولن تشكّل غزة تهديداً أمنياً لإسرائيل». وأضافت: «لن يكون هناك وقف لإطلاق النار. كانت هناك هُدن لأغراض إنسانية. انتهكت حماس هذا الاتفاق». بدورها، ذكرت قناة «كان» العبرية أن «الدوحة أبلغت تل أبيب أن حماس علّقت اتصالات صفقة التبادل»، بعدما كانت مصادر إسرائيلية أكّدت أن «الفجوات لا تزال كبيرة جداً». ونقلت صحيفة «هآرتس» عن مسؤول مطّلع لم تسمّه، قوله إن «هذه الفجوات لا يمكن تجاوزها في الوقت الحالي، ولكنّ الطرفين يواصلان اتصالاتهما غير المباشرة». كما نقلت الصحيفة عن مسؤول آخر لم تسمّه أيضاً أمله في أن «تبدي حركة حماس مرونة أكبر في مواقفها، وتقرّر دفع ثمن أكبر في سبيل التوصل إلى هدنة». وبحسب مصادر مطّلعة على المفاوضات تحدّثت إلى «هآرتس»، فإن «حركة حماس تطلب عدم استئناف جيش الاحتلال الحرب بعد إبرام الصفقة»، فيما لم تفصح إسرائيل بعد عن موقفها إزاء مجموعة من الأسئلة الرئيسيّة، ومن ضمنها مصير من اعتقلتهم في غلاف غزة في 7 أكتوبر، وكذلك أسماء كبار الأسرى الفلسطينيين الذين يمكن أن تطلق سراحهم. أما «القناة 12» فنقلت عن مصدر سياسي إسرائيلي، لم تسمّه، قوله إن «التقارير مضلّلة، والعكس هو الصحيح. هناك تصعيد في المواقف، وحماس تصعّد إلى حدّ كبير. ولكن هذا لا يعني أنه لا يمكن أن يكون هناك تقدّم في الفترة القريبة»، في حين نقلت هيئة البث الإسرائيلي «كان» عن مسؤول وصفته بالمطّلع على الاتصالات، أنه «لا يوجد حتى الآن أي تقدّم في المفاوضات»، وأن «حماس تصعد أكثر فوق الشجرة». لكنّ المسؤول استدرك بأن «المفاوضات مستمرّة».
من جانبه، طالب وزير المالية، بتسلئيل سموتريتش، بعقد اجتماع فوري للمجلس الوزاري للشؤون الأمنية والسياسية، معتبراً، في تغريدة على «إكس»، أن «وقف الحرب في مرحلة حسّاسة كهذه سيشكّل خطورة على الحملة (في غزة) بأكملها، ويدفع إلى أثمان صعبة جداً في القطاع، وعلى جبهات إضافية. وقف الحرب في هذه المرحلة لفترة طويلة هو أمر لن نسمح به». وفي الاتجاه نفسه، قال وزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير، عبر «إكس» أيضاً، إنه «مع إعادة المخطوفين، وضدّ صفقة سيئة». ويأتي ذلك بينما تستمرّ تظاهرات أهالي الأسرى الإسرائيليين الذين خرجوا أمس في تل أبيب، وقاموا بإغلاق شارع أيالون الرئيسيّ، وطالبوا بإبرام صفقة تبادل.
تستمرّ تظاهرات أهالي الأسرى الإسرائيليين المطالبة بإبرام صفقة تبادل


من جهة أخرى، رأى محللون إسرائيليون، أمس، أن مقتل 24 جندياً وضابطاً في «كارثة المغازي»، من شأنه أن يدفع الجمهور في إسرائيل إلى تغيير نظرته إلى الحرب. واعتبر المحلل السياسي في صحيفة «يديعوت أحرونوت»، ناحوم برنياع، أن «الجمهور بدأ بإجراء حسابات الثمن مقابل الإنجازات، والتكلفة مقابل الفائدة. ولا أعتقد أن عدد الجنود القتلى، يوم الإثنين، سيغيّر شيئاً في تأييد الشارع للحرب، لكن بنظرة إلى المستقبل، ستكون هناك أهمية للثمن». وأشار إلى أن عضو «كابينت الحرب»، غادي آيزنكوت، كان السكرتير العسكري لرئيس الحكومة الأسبق، أريئيل شارون، في بداية الانتفاضة الثانية، وعندما شنّ الجيش الإسرائيلي عملية «السور الواقي» العسكرية، واجتاح خلالها الضفة الغربية، في عام 2002. ونقل برنياع عن آيزنكوت قوله عن هذه العملية، إنه «كان هناك هدفان لها: القضاء على الإرهاب وعلى السلطة الفلسطينية. واليوم، بعد 22 عاماً، يوجد إرهاب في يهودا والسامرة (أي الضفة الغربية) كما أن السلطة الفلسطينية لا تزال موجودة».
ورأى برنياع أن «الاستنتاج واضح: لا توجد انتصارات مطلقة في جولات الحروب في الحلبة الفلسطينية. وما تعلمناه في حروبنا هو أن الذي يتطلّع إلى تحقيق أمور أكثر مما هو قادر على إحرازه في ميدان القتال، ستحل عليه كارثة».
ولفت إلى أن الوضع في إسرائيل حالياً، مشابه للوضع خلال احتلال جنوب لبنان، حيث «طالما أن عدد الجنود القتلى لم يتجاوز بضع عشرات في السنة، كان وجود الجيش الإسرائيلي في لبنان يحظى بتأييد شعبي واسع، لكنّ كارثة المروحيات (مقتل حوالي 72 جندياً باصطدام مروحيتين) في شباط 1997، قلبت الوضع رأساً على عقب، فتصاعدت الاحتجاجات، واضطر المرشحان لرئاسة الحكومة، إيهود باراك وبنيامين نتنياهو، للتعهد بالانسحاب إلى حدود خط وقف إطلاق النار». وأضاف برنياع أن «الأمر الذي ينبغي أن يقلقنا في هذه المرحلة من تبادل الضربات، في غزة وكذلك عند الحدود اللبنانية، هو الفجوة الآخذة في الاتساع بين مفهوم المستوى السياسي ومفهوم المستوى العسكري، وبين توقّعات الجمهور والتقدير الأميركي والواقع على الأرض». وتابع أن «نتنياهو يعدنا يومياً بأن الحرب ستستمر حتى الانتصار المطلق على حماس. وهو لا يوضح طبيعة هذا الانتصار، وأي واقع سيُنشئ. ومهمة المستوى السياسي هي تحويل إنجاز عسكري إلى اتفاق، وإلى مستقبل بالإمكان العيش فيه. ونتنياهو أعفى نفسه من المسؤولية تجاه المستقبل».
أما المحلل العسكري في صحيفة «هآرتس»، عاموس هرئيل، فرأى أن «الخسائر الكثيرة، إلى جانب الشعور بأن صفقة أخرى لتحرير المخطوفين تتأخر بشكل من شأنه أن يؤدي إلى وفاة مخطوفين آخرين، يرجّحان أن تزيد الخلافات العامة الداخلية». وحذّر من أنه «إذا استمر الجيش الإسرائيلي في توجيه الضربات بشدة، فسنصل أخيراً إلى نقطة الانكسار، التي ربما تجلب معها صفقة أسرى بشروط أقل صعوبة». وتوقّع أن «يؤثر مقتل عدد كبير من الجنود في يوم واحد، سلباً في المزاج القومي. وفي المدى البعيد، يتعيّن علينا تحويل الرأي العام إلى حلول بديلة، بدلاً من استمرار الحرب بأي ثمن». ورجّح أن «الخسائر غير المألوفة من شأنها تغذية احتجاجات عائلات المخطوفين، واحتجاجات معارضي نتنياهو الذين يطالبون بالإعلان عن انتخابات الآن». وعلى الرغم من أن لا موجة شعبية حالياً تشكل خطراً على حكم نتنياهو، إلا أنه «حدث هذا في الماضي، بشكل تدريجي وبطيء، في ثلاث حروب: يوم الغفران (1973)، حرب لبنان الأولى، وحرب لبنان الثانية».