لا نتائج واضحة المعالم، ولا اتفاق محدّداً يمكن البناء عليه، في الاجتماع الـ 21 لمسار «أستانا»، الذي انعقد على مدار يومين في العاصمة الكازاخية، باستثناء الاتفاق على موعد عقد الاجتماع المقبل في النصف الثاني من العام الحالي، بالإضافة إلى التذكير بالتوافقات السابقة، وعلى رأسها مسألة «عودة اللاجئين». ويعني ذلك استمراراً لحالة الجمود في مسارات الحل السياسي، في ظل التصعيد الميداني على خطوط «خفض التصعيد» في الشمال والشمال الغربي من البلاد، والحملة العسكرية التركية على المواقع التي تسيطر عليها «قوات سوريا الديموقراطية» (قسد)، وتنامي هجمات مسلحي تنظيم «داعش» ضد مواقع الجيش السوري في البادية.البيان الختامي للاجتماع الذي عقد أمس، وسبقته لقاءات ثنائية، أول من أمس، أكد «الالتزام الثابت بسيادة سوريا واستقلالها ووحدتها وسلامتها الإقليمية، وضرورة استمرار التهدئة والحفاظ على الهدوء في منطقة خفض التصعيد في إدلب، والعودة الآمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم بإشراف أممي». كذلك، تضمن البيان الختامي إدانة للاعتداءات الإسرائيلية على سوريا، واصفاً إياها بأنها «انتهاك للقانون الدولي والقانون الإنساني الدولي وسيادة سوريا وسلامتها الإقليمية». وعلى صعيد الجهود المبذولة لإعادة فتح الأبواب المغلقة بين دمشق وأنقرة، بدفع روسي - إيراني، شدد البيان على «أهمية مواصلة الجهود لإعادة العلاقات على أساس الاحترام المتبادل وحسن النية وحسن الجوار»، بالإضافة إلى «التصدي للمخططات الانفصالية في سوريا»، في إشارة مباشرة إلى المشروع الكردي (الإدارة الذاتية) في الشمال والشمال الشرقي من البلاد، المدعوم أميركياً.
ومنذ بدء وصول الوفود المشاركة في الاجتماع، كان واضحاً أنه لا نتائج كبيرة متوقعة منه، في ظل التمثيل الذي غاب عنه المبعوث الأممي إلى سوريا، غير بيدرسن، الذي أوفد نائبته نجاة رشدي، فيما مثّل سوريا نائب وزير الخارجية بسام الصباغ، وتركيا نائب وزير الخارجية أحمد يلدز، وإيران مستشار الشؤون السياسية في وزارة الخارجية علي أصغر حاجي، وروسيا ممثل الرئيس فلاديمير بوتين في سوريا ألكسندر لافرينتيف، فيما ترأّس وفد «المعارضة» أحمد الطعمة، كما حضر ممثلون عن الأردن والعراق ولبنان بصفة مراقبين.
منذ بدء وصول الوفود المشاركة في الاجتماع، كان واضحاً أنّه لا نتائج كبيرة متوقّعة منه


من جهته، أشار الصباغ، في تصريح عقب انتهاء الاجتماعات، إلى أن الوفد الذي يترأسه أكد على «أهمية مسار أستانا والنتائج التي حققها على عدة صعد، وأن هناك حاجة إلى تحقيق المزيد، وخاصة في ما يتعلق بالقضاء على التنظيمات الإرهابية، وإنهاء الوجود العسكري الأجنبي الأميركي والتركي غير الشرعي على الأراضي السورية»، لافتاً إلى أن «هذا المسار يهدف في المقام الأول إلى تأكيد احترام سيادة سوريا واستقلالها ووحدة وسلامة أراضيها، وتنفيذ مخرجات أستانا بشكل فعلي». واستعرض الوفد السوري، بحسب رئيسه، جهود حكومته «لناحية توطيد الأمن والاستقرار، وذلك عبر توسيع نطاق المصالحات الوطنية، وتسوية أوضاع المواطنين، وإصدار مراسيم العفو المتتالية، وتأمين تدفق المساعدات الإنسانية وذلك بالتعاون مع الأمم المتحدة والمنظمات الدولية المعنية والتركيز على بناء صمود السوريين، وتعزيز وتوسيع مشاريع التعافي المبكر»، مشدداً على «ضرورة الرفع الفوري وغير المشروط للتدابير القسرية الأحادية الجانب التي تفرضها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على الشعب السوري، لما لها من آثار كارثية على مختلف جوانب حياة المواطنين السوريين اليومية».
وفي وقت ذكّر فيه رئيس الوفد الإيراني بأن بلاده «تبذل جهوداً من أجل التقارب المحتمل بين تركيا وسوريا، واستعادة العلاقات الديبلوماسية بينهما»، رأى رئيس الوفد التركي، في تصريحات صحافية، أنّه «لا يمكن الجزم» بالتقارب، مضيفاً أنه لا يتوقع الكثير في هذا الملف، الذي دخل مرحلة تجميد على وقع المراوغة التركية المستمرة، وموقف دمشق المتشدد حيال الوجود العسكري التركي غير الشرعي في البلاد.
وعلى الصعيد الإنساني، دعا البيان الختامي إلى «زيادة المساعدات للسوريين في كل أرجاء البلاد»، علماً أن هذه المساعدات متوقفة منذ أكثر من أسبوع، بالرغم من تقديم دمشق رخصة جديدة تسمح بتمريرها عبر الحدود (من تركيا) لمدة ستة أشهر إضافية من معبر «باب الهوى» في إدلب، إلى جانب استمرار السماح بإدخالها وفق رخصة سابقة من معبرَي «باب السلامة» و«الراعي» في حلب. وفي السياق نفسه، أكّد «فريق منسقو الاستجابة» أن المساعدات متوقفة منذ نحو 8 أيام، وأنه منذ مطلع العام الحالي دخلت عبر المعابر الحدودية 43 شاحنة فقط (42 من باب الهوى، وشاحنة من باب السلامة)، فيما لم يدخل عن طريق المعابر بعد اعتماد التفويض الجديد سوى 6 شاحنات فقط (5 من باب الهوى، وشاحنة من باب السلامة).
والجدير ذكره، هنا، أن واشنطن كانت قد حاولت استثمار ملف المساعدات على طاولة المفاوضات السياسية في «مجلس الأمن»، قبل أن تسقط دمشق هذه المحاولة. وتكشف إثر ذلك، بشكل تدريجي، تراجع مستوى الإغاثة إلى حدود غير مسبوقة نتيجة تراجع التمويل، في ظل انشغال الدول المانحة (على رأسها الولايات المتحدة وحلفاؤها في الاتحاد الأوروبي) بالملف الأوكراني، وبالدعم غير المحدود الذي تقدمه لإسرائيل في حرب الإبادة التي تشنها على غزة.