رام الله | تعيش إسرائيل «فوبيا أمنية» بدأت منذ احتلالها فلسطين، ويبدو أنها سترافقها حتى زوالها، وإن اختلفت مصادرها اليوم عمَّا كانت عليه في السابق. وجاءت عملية «طوفان الأقصى» لتكرّس تلك «الفوبيا»، لما حملته من هزيمة للدولة العبرية ستظلّ تلاحقها، في انتظار الصفعة المقبلة. وحتى ذلك الحين، سترى إسرائيل في كوابيسها «الطوفان» قادماً من كل الجبهات، وتحديداً شمالي فلسطين المحتلّة، والضفة الغربية، التي وعلى رغم خضوعها للاحتلال، إلا أن الرعب من تكرار ما جرى في المستوطنات القريبة منها، لا يزال قائماً، وكذلك اندلاع انتفاضة ثالثة فيها.وتدرك المؤسسة الأمنية الإسرائيلية أن حكومة بنيامين نتنياهو واليمين المتطرّف، يسعيان إلى تحميلها حصراً مسؤولية أحداث السابع من أكتوبر، وذلك عبر استغلال التقديرات الاستخباراتية التي كانت تصف المقاومة في غزة بأنها مردوعة، ولا يمكنها القيام بأيّ فعل ضدّ إسرائيل، وأنها تبحث فحسب عن بعض الامتيازات الاقتصادية، ما حدا بالمؤسّسة المذكورة إلى تركيز اهتمامها في الضفة. وهناك، يشنّ جيش الاحتلال، منذ ما يزيد على ثلاثة أشهر، حرباً مفتوحة بأشكال مختلفة، غير أن تداعيات «طوفان الأقصى» والعدوان على غزة، أضاءت جرس الإنذار الأحمر لدى قادة الجيش والاستخبارات، من مغبة انفجار الضفة، وهو ما حذّروا منه علانية وسرّاً. ومن ذلك ما جاء أخيراً على لسان وزير الأمن الإسرائيلي، يؤآف غالانت، حين حذّر من اشتعال الأوضاع في الأراضي المحتلة، داعياً إلى اتّخاذ خطوات تحول دون هذا السيناريو، من خلال تعزيز السلطة الفلسطينية، وعدم السماح لحركة «حماس» بربط ما يجري في غزة، بالضفة. وهكذا، أُضيف تجاهُل المستوى السياسي للتحذيرات الأمنية، إلى الخلافات المتراكمة بينهما، ما خلق انطباعاً لدى المسؤولين الأمنيين بأن هناك أعضاء في الحكومة يدفعون بالفعل نحو الانفجار.
وفي هذا الإطار، اتّهم مسؤول أمني إسرائيلي رفيع، مسؤولين سياسيين كباراً في الحكومة، بأنهم يُغذّون اندلاع انتفاضة ثالثة، من خلال تجميد نتنياهو قرار عودة العمال الفلسطينيين إلى إسرائيل، علماً أن وزراء اليمين المتطرّف، مِن مِثل وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، وآخرين، يرفضون أيّ دور للسلطة الفلسطينية. وقال المسؤول الأمني، لصحيفة «يديعوت أحرونوت»، إن «هؤلاء المسؤولين السياسيين الذين يمارسون التحريض، ويدعون إلى إسقاط السلطة الفلسطينية، وإلى منع عبور العمّال الفلسطينيين، يقودوننا بشكل واعٍ إلى الانتفاضة الثالثة، وربّما بشكل متعمّد أيضاً»، موضحاً أن «الحديث لا يدور حول خطوات سياسية واسعة طبعاً، وإنّما حول أمور بسيطة: عمال، تعاون أمني... أمور صغيرة تعزّز السلطة». وبحسب الصحيفة، فإن مسؤولين أمنيين إسرائيليين يعتبرون أن الواقع في الضفة يتغيّر في هذه الأيام، لكن في جهاز الأمن يتخوّفون من أن «إنجازات العمليات العسكرية ستتلاشى وتذهب هباء خلال بضعة أشهر»، في ظل حالة الغليان في الشارع الفلسطيني.
يدرس جيش الاحتلال حالياً تسليح «فرق الاستنفار» في مستوطنات الضفة بصواريخ مضادة للمدرعات


وتزامناً مع العدوان على غزة، شنّ نتنياهو ووزراء اليمين وأعضاء في «الكنيست»، هجوماً على رام الله والأجهزة الأمنية الفلسطينية، على الرغم من استمرار التنسيق الأمني بين الجانبَين، وذلك على خلفية السيناريوات المطروحة في شأن عودة السلطة الفلسطينية إلى قطاع غزة في اليوم التالي للحرب، وهو ما يرفضونه، كونه قد يقوّي احتمال تنفيذ «حلّ الدولتين». وفي المقابل، تُفهم تحذيرات المستويات الأمنية الإسرائيلية على أنها محاولة للتساوق - ولو ظاهرياً - مع رؤية الولايات المتحدة في شأن تقوية السلطة ودعمها.
على أن هذه التحذيرات مثيرة للسخرية؛ إذ إن ضباط الجيش وجنوده، إضافةً إلى ما يرتكبونه من جرائم، يوفّرون الحماية والدعم للمستوطنين لشنّ اعتداءاتهم في الضفة الغربية، بإيعاز من مسؤولي الحكومة ووزرائها، والذين تتّهمهم المصادر الأمنية بتأجيج الأوضاع. ويضاف إلى ما تقدّم، اعتداء جنود العدو على دورية للشرطة الفلسطينية، الخميس، خلال اقتحامها مدينة بيت لحم. وأظهر مقطع مصوّر، اقتحام قوات الاحتلال شارع وساحة المهد وسط المدينة، بالتزامن مع وجود دورية فلسطينية، الأمر الذي أسفر عن تلاسن وتدافع بين الطرفين، قبل أن يدفع أحد الجنود عنصراً من الشرطة بفوهة البندقية، فيما جرى الاعتداء على آخرين.
وفي ظلّ الدعم اللامتناهي للمستوطنين، يدرس جيش الاحتلال حالياً تسليح «فرق الاستنفار» (الفرق المتأهبة) في مستوطنات الضفة بصواريخ مضادة للمدرعات، بحجّة مواجهة أحداث مشابهة لهجوم «القسام» في السابع من أكتوبر. وفي هذا الإطار، ذكرت صحيفة «هآرتس»، نقلاً عن الجيش، أن هذه الخطوة «قيد المراجعة والبحث»، فيما بات «تنفيذها رهن الموافقة النهائية للقيادات العليا في الجيش والأجهزة الأمنية».
يُذكر أن جيش الاحتلال دعم ما تسمّى «فرق الاستنفار» المكوّنة من مستوطنين جرى تكليفهم بوظائف أمنية في حالات الطوارئ، وزُوّدوا بعد نشوب الحرب بـ»آلاف المسدسات وبنادق M16 ورشاشات ماغ».