غزة | ينتظر آلاف النازحين الجوعى، طوال ساعات الصباح الأولى، على «دوار الكويت»، جنوبي حي الزيتون شرق مدينة غزة، للحصول على بعض الطعام. فجأةً، تنهمر على الحشود زخات من الرصاص، مصدرها طائرات «كواد كاتبر» الإسرائيلية، فيصاب العشرات، ويستشهد البعض، ويتراجع الآلاف ببطون خاوية، مؤقتاً، قبل أن يعاودوا التقدم. إثر ذلك، وفي أعقاب وصول أولى شاحنات المساعدات إلى المنطقة، وتدافُع الآلاف بعد ساعات من الانتظار، للحصول على حصصهم منها، قصفت مدفعية الاحتلال الحشود المتزاحمة، فاختلطت الدماء بطرود المساعدات، في مشهد بات شبه ثابت، ويعكس آلية تعامل جيش الاحتلال، أخيراً، مع عبور المساعدات الغذائية إلى مناطق شمال وادي غزة.على أنّ السكان يصرّون على التمسك بالحصول على قوتهم حتى آخر رمق؛ إذ يرفض رجل مسنّ، تجاوز الستين من عمره، مثلاً، «إفلات» الطرد الغذائي الذي حصل عليه بشق الأنفس، بعدما سقط، أثناء هروبه من القصف، في مسطحات مياه الأمطار والصرف الصحي التي تقطع الطرق. ومن جهته، يروي أحمد سلمان، وهو شاب من مخيم جباليا، كان قد قطع 20 كيلومتراً، مشياً على الأقدام، للوصول إلى الموقع الذي زعمت وسائل إعلام إسرائيلية أنّ آلاف الأطنان من الطحين، ستدخل عبره، لـ«الأخبار»: «وصلتُ إلى (دوار الكويت) بعد ثلاثة ساعات من المشي. كان عشرات الآلاف من المواطنين متواجدين معي»، متابعاً: «أطلقت الدبابات وطائرات (الدرونز) الرصاص علينا، تراجعنا قليلاً، أصيب بعض الشبان، لكنني ما خفت أموت، خفت أرجع على الخيمة إلي فيها 40 شخص من أهلي من دون أكل، علقوا كل أملهم فيا». ويردف الشاب، وهو أب لأربعة أطفال، ويتولى مسؤولية إعالة أفراد آخرين من العائلة الأكبر، بعدما هُدم منزله، وأصبح يعيش منذ ثلاثة أشهر بلا أي مصدر دخل: «لما وصلت شاحنة المساعدات، هجم عليها آلاف الناس، حاول بعض الرجال، الذين أعتقدُ أنّهم من الشرطة، تنظيم آلية التوزيع. ثمّ بدأ القصف المدفعي، ما أدى إلى إصابة واستشهاد أكثر من 50 رجل».
تريد إسرائيل خلق «حالة فراغ» تقوّض استعادة النظام الحكومي الذي كان قائماً قبل 7 أكتوبر


وفي إطار «تسعير» حالة الفوضى المحيطة بالمساعدات، كانت الطائرات المسيرة قد قصفت، قبل أيام، سيارة مدنية تابعة لوزارة التنمية الاجتماعية، في منطقة سوق اليرموك شرقي مدينة غزة، ما تسبب، طبقاً لمصادر صحافية، في استشهاد ثلاثة من موظفي الوزارة، من بينهم عماد منصور، الموظف التابع للحكومة الفلسطينية في رام الله، والمكلف بالتنسيق لتأمين آلية إدخال المساعدات إلى مناطق شمال وادي غزة وتوزيعها. وطبقاً للمصادر نفسها، فإنّ جيش الاحتلال يستهدف «أي محاولة» لاستلام المعونات الإنسانية وإفادة السكان منها.
وفي خضمّ زيادة حدة المجاعة، والتي تدفع بالآلاف من الأهالي إلى الخروج للبحث عن لقمة عيشهم، تواصل الطائرات الحربية الإسرائيلية استهداف المنازل المأهولة، وإيقاع مجازر جديدة، كان آخرها قصف منزل القاضي علي زامل، في منطقة جباليا البلد في محافظة شمال غزة، ما أدى إلى استشهاد القاضي و 14 من أفراد أسرته. وفي الأيام الأخيرة، كانت قوات الاحتلال تركز، في مناطق شمال وادي غزة تحديداً، على استهداف الشخصيات المدنية الفاعلة في مجال تنظيم شؤون الناس ورعاية أحوالهم المدنية والاجتماعية، ما يعكس رغبة في خلق «حالة فراغ»، تعيد تنشيط عصابات السرقة المنظمة، وتزيد من حدة المشكلات العائلية، وتقوض بالتالي مساعي استعادة النظام الحكومي الذي كان قائماً قبل السابع من أكتوبر، باعتبار أنّ مثل هذا السيناريو الأخير يعدّ شكلاً من أشكال الهزيمة، التي لن تقبل بها إسرائيل، ولا سيما في المناطق التي انتهت قواتها من تنفيذ «العمليات العسكرية الكبرى» فيها، والتي من المفترض، طبقاً للمزاعم الإسرائيلية، أن تكون قد «قوّضت» المنظومة الحكومية التابعة لـ«حماس».