غزة | شكلت قذائف «الياسين 105»، وقذائف الـ«تي بي جي» المصنعة محلياً، واحدة من مفاجآت «طوفان الأقصى»، الأكثر تأثيراً وفاعلية على سير المعارك في قطاع غزة. وفكرة هذا المشروع «الواعد»، الذي أطلقت عليه وسائل الإعلام العبرية، عقب كمين مخيم المغازي، تسمية «آر بي جي حماس»، كانت قد بدأت في مطلع عام 2002، حينما كانت المقاومة تواجه شحاً شديداً في الوسائل القتالية، وتجارب محاكاة قذائف «الآر بي جي» (B7) السوفياتية تسير على قدمٍ وساق، إنّما من دون تحقيق نتيجة تذكر. وظهرت النسخة الأولية من «الياسين»، للمرة الأولى، في معركة «أيام الغضب» عام 2004، حينما توغلت الدبابات الإسرائيلية إلى مخيم جباليا. واللافت، أنّ القذيفة، التي تولى المهندس القسامي، الشهيد عدنان الغول، مهمة صناعتها، بدت، في ذلك الوقت، سلاحاً ذا دور معنوي لا أكثر، ومقذوفاً خفيف الحجم، ذا قوة انفجارية محدودة جداً، وعديم التأثير على دبابات «الميركافا»، وأثار، آنذاك، «سخرية» جيش الاحتلال.وفي السنوات التي تلت الانسحاب الإسرائيلي من غزة عام 2005، غابت الأسلحة المصنعة محلياً عن الميدان تماماً، وهو ما يرجع على الأرجح إلى حركة تهريب السلاح التي نشطت في تلك الفترة، ووفرة قذائف «الآر بي جي» النظامية، والتي دفعت حركات المقاومة إلى صرف النظر عن المزيد من محاولات التصنيع المحلي «غير المجدية»، باعتبار أنّ الأسلحة المحلية، مهما بلغت من الجودة، لن تكون بنفس فعالية بعض الأسلحة المضادة للدروع، من مثل قذائف «الآر بي جي» الروسية، ولاحقاً صواريخ «الكورنيت» «والمالوتكا» «والفاغوت». على أنّه في تلك المدة نفسها، كانت وحدات الهندسة التابعة لكتائب «القسام» تبحث في الخفاء عن حلول فعالة، لتجاوز جملة من المشكلات التي قد تظهر في حال فُرضت على المقاومة حرب طويلة مستقبلاً، على غرار وفرة الأسلحة وتكاليفها واستنزاف المقدرات وغيرها.
وعليه، استمرّ مشروع تصنيع قذائف «الياسين 105»، وظلّ، منذ بدأت محاولات تطوير النسخة الأولى منه في عام 2006، خاضعاً لأعلى مستويات السرية، حتى حقق، ذات يوم من عام 2015، النتائج المرجوة منه؛ ففي صباح ذلك اليوم، نحج المهندس جمال الزبدة، بالتعاون مع فريق الهندسة العكسية الذي شكله على أسس عملية، وبعد الآلاف من التجارب، في محاكاة مقذوف «التاندوم b29» الروسي، أو كما يسميه «الناتو»، «مصاص الدماء». وأكثر ما ميز النسخة الأولى من هذا المقذوف، والتي دخلت إلى الخدمة عام 1989، هو أنّها تحوي رأسين انفجاريين، بقطر 105 ملم. وإذ يؤدي الرأس الأول مهمة اختراق الدروع السميكة للآليات المجنزرة، فإنّ الرأس الانفجاري الثاني، يتولى حرق وإتلاف الحيّز الذي يتحصن فيه الجنود داخل الآلية.
أمّا الفرق بين السلاح النظامي والنسخة «الغزاوية» من «التاندوم»، والتي عرفت بـ«الياسين 105»، فهو أنّ الأخيرة ظلّت تُطلق من قاذف «الآر بي جي» النظامي الروسي والصيني نفسه. ووفقاً للمعلومات التي نشرتها «القسام» في وقت سابق، فإن «الياسين 105»، قادرة على اختراق أكثر من 60 سم من الحديد المصفح، وتدمير الأهداف التي تستهدفها، إذا أصابت نقاط الضعف فيها، في مدى يُجاوز الـ100 متر، وبمدى تفعيل 15 متراً فقط. بتعبير آخر، فإنّ هذا السلاح ملائم جداً لطبيعة المهام القتالية في الحرب الحالية، والتي يضطر المقاومون، في كثير من محطاتها، للالتحام مع دبابات العدو، من مسافة لا تُجاوز الـ50 متراً.
ومنذ عام 2015، بدأت «القسام» تنتج سلاحها الجديد بوفرة، إذ عملت ورش التصنيع العسكرية ليل نهار، لمراكمة كميات كبرى من المخزون الاستراتيجي منها. وعملية المراكمة هذه، التي استمرت لنحو ثماني سنوات، أسقطت فرضية «الجفاف اللوجستي»، أي قدرة العدو على استنزاف مخزون المقاومة، عبر إطالة أمد الحرب. ولهذا السلاح، بنسختيه «الـ105»، والـ«تي بي جي» المضادة للتحصينات والدشم والأفراد، فوائده المادية أيضاً؛ إذ فيما يتجاوز ثمن قذيفة الـ«آر بي جي» الواحدة الـ700 دولار، فإنّ تكلفة تصنيع قذيفة واحدة من «الياسين 105»، لا تُجاوز الـ100 دولار.
استمرت عملية مراكمة القذائف لنحو ثماني سنوات، ما أسقط فرضية «استنزاف» المقاومة