غزة | في اليوم الرابع عشر بعد المئة من الحرب، تتصدّر مدينة خانيونس المشهد الميداني. هناك، يؤكّد قادة جيش العدو أن القتال سيتواصل لأسابيع طويلة، فيما تدلّل معطيات الميدان على أن المقاومة تمكّنت من امتصاص حدّة الهجوم، وبدأت في التعاطي المكثّف مع الآليات المتوغّلة، فيما تعكس المشاهد المصوّرة التي وزّعتها كل من «كتائب القسام» و»سرايا القدس»، حرب شوارع، تشهدها منطقة النمسَوي وحي الأمل، والمناطق الغربية من المدينة. أحد هذه المقاطع التي نشرتها «القسام»، أول من أمس، ظهر فيه عناصرها وهم يعتلون المباني السكنية، ويضربون جرافة بقذيفة «الياسين 105» من الأعلى. وفي المقطع نفسه، ظهر مقاومو «القسام» وهم يفجّرون أكثر من خمس دبابات، حيث بدا واضحاً قدْر الاحتراف في التصويب على الدبابات، التي كان يَظهر جزء محدود منها من بين مبنيَيْن، فيما تصيب القذائف المضادّة للدروع أهدافها بدقّة.في خلال اليومَين الماضيَين، تمكّنت «كتائب القسام» من تنفيذ عشرات المهامّ القتالية، إذ أعلنت، في بيانات منفصلة، تفجير 4 دبابات «ميركافا» حتى ظهر السبت، في منطقتَي جورة العقاد وحي الأمل، ودبابتين أخريَين في المنطقة نفسها. أمّا «سرايا القدس»، فقد تمكّنت من استهداف دبابتَين بقذائف «آر بي جي» في محاور القتال غربي مدينة خانيونس. وفي اليوم التالي، أعلنت «السرايا» تفجير أربع دبابات بالقذائف المضادة للدروع وعبوة «ثاقب» المطوّرة، فيما استهدفت أيضاً، وعلى دفعات، خطّ الآليات المتوغّلة بوابل مكثّف من قذائف الهاون الثقيل. وعلى وقع تطورات الميدان، زاد الحديث في وسائل الإعلام الإسرائيلية، عن استحالة تحقيق هدف القضاء على حركة «حماس»، فيما جناحها العسكري يواصل شحن العُقد القتالية بالمئات من المقاتلين يوميّاً.
على أن الحدث الأكبر الذي شهده أمس، تمثّل في الإعلان عن سحب ثلاثة ألوية قتالية، هي: «المظليين»، و»غولاني» و»كفير»، من جنوب غزة، بعد انتهاء مهمّاتها القتالية، بحسب ما قاله جيش العدو. أما على الصعيد الإعلامي، فواصل الإعلام العسكري التابع لـ»القسام»، نشْر المواد الدعائية التي تحذّر من نفاد الوقت، ومن أن أسرى العدو قد لا يعودون أحياء. ففي آخر منشور وجّهته «الكتائب» إلى عائلات الأسرى، ورد ما مفاده: «كتائب القسام تعلن عن مقتل جميع الأسرى لديها بعد استهدافهم بالطيران الحربي الصهيوني»، قبل أن يتم الاستدراك بالقول: «إذا استمر نتنياهو في الحرب، فكونوا متسمّرين لهكذا خبر». وبدوره، وزّع الإعلام الحربي التابع لـ»سرايا القدس» مقطعاً مصوّراً، يظهر مراحل تصنيع عبوة «ثاقب» المتطورّة، والمئات من العبوات الناسفة المجهّزة للاستخدام.

لماذا خانيونس؟
تشكّل معركة خانيونس العقدة الأخيرة في العملية البرية في هذه الحرب، بعدما توغّلت دبابات العدو تقريباً في كلّ مناطق قطاع غزة، من مخيم جباليا شمالاً، الذي يشعر قادة العدو برضىً عن أدائهم فيه، خصوصاً أن جيشهم تمكّن من اغتيال قائد لواء الشمال، أحمد الغندور، وثلاثة من أهمّ معاونيه، وحتى المنطقة الوسطى، التي لم تحقّق فيها العملية البرية أيّ منجز، سوى مضاعفة حجم الخسائر في عديد الجنود والآليات، وصولاً إلى خانيونس.
وفي الأخيرة، لم يَعُد أمام العدو سوى بذل أقصى قدْر من المجهود العسكري، لتحصيل صورة الانتصار، التي لن تتحقّق سوى بالقضاء على واحد من ثلاثة: يحيى السنوار، أو محمد الضيف، أو مروان عيسى. ويتوقّع جيش العدو أن الأول، الذي ولد في مخيم المجادلة في غرب المدينة، لا يزال يتحصّن رفقةَ أخيه، محمد السنوار، وهو القائد العسكري الأقوى في «القسام» خلال السنوات الأخيرة، في أنفاق خانيونس المعقّدة. ويعني ذلك، أن المدينة تشكّل الاختبار الأبرز، الذي سيحدّد الشكل الذي ستنتهي إليه الحرب، ما بين صورة انتصار جزئية، وسط المشهد الكلّي المزدحم بالخيبات، أو هزيمة مطلقة لجيش العدو، الذي سيفشل في تحقيق أيٍّ من أهدافه المعلنة. وبناءً على ما تقدَّم، تتوقّع المقاومة أن يستمرّ الضغط الإسرائيلي في محور القتال الجنوبي، لأسابيع عدة.