بات واضحاً أن الأحزاب الرئيسيّة في تركيا، وعلى رأسها العمود الصلب للعلمانية، أي «حزب الشعب الجمهوري»، والعمود الصلب للحركة الإسلامية، ممثَّلاً بـ»حزب العدالة والتنمية»، مؤيّدة للبقاء ضمن «حلف شمال الأطلسي»، الذي انضمّت إليه تركيا في عهد سلطة «الحزب الديموقراطي» بزعامة عدنان مندريس (1952)، ذي التوجّهات الإسلامية، والذي يَعتبره الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، قدوته العليا، جنباً إلى جنب طورغوت أوزال، مجترح نظريّة «العثمانية الجديدة». أمّا الأحزاب التي عارضت انضمام السويد إلى «الناتو»، أثناء تصويت البرلمان التركي على القرار، فهي إمّا صغيرة أو لها حسابات محلّية، ولا تقدّم ولا تؤخّر.ومن هنا، فإن انضمام السويد إلى «الناتو» ببطاقة خضراء تركية، ليس تفصيلاً. وعلى رغم أن أيّ إشارة، منذ 22 عاماً، لم ترد إلى أن تركيا في وارد إحداث قطيعة كاملة مع الغرب، إلا أن قرار البرلمان التركي أثار ردود فعل وتعليقات تنتقد ازدواجية المواقف لدى جميع الأحزاب التركية الرئيسيّة، في موازاة إرسال وزارة الخارجية الأميركية كتاباً إلى الكونغرس بغرفتَيْه تدعوه فيها إلى الموافقة على بيع 40 طائرة من طراز «إف- 16 بلوك» المتطوّرة، إلى تركيا، وتحديث 79 طائرة موجودة لديها، في صفقة تبلغ قيمتها 23 مليار دولار.
وفي هذا الإطار، انتقد علي سيرمين، في «جمهورييات»، تصويت «حزب الشعب الجمهوري» إلى جانب «العدالة والتنمية» لانضمام السويد إلى «الأطلسي». وقال إن «كل الشعارات التي رفعها الشعب الجمهوري، أَظهرت أنها فارغة»، وإن «ترجيح خيار الأطلسي كان حازماً. حزب الشعب الجمهوري تخلّى فجأةً عن كلّ خطابه المعادي للإمبريالية»، مضيفاً أن «قسماً واسعاً من الرأي العام أصيب بخيبة أمل تجاه السياسات التي لا تقاوم كلّ ممارسات حزب العدالة والتنمية في شأن علمانية الدولة وتهديدها بالنزعة الدينية، وصولاً إلى مسألة عضوية السويد في الأطلسي».
وفي الصحيفة نفسها، لفتت زلال قلقان ديرين إلى أن «الشعب الجمهوري»، منذ وفاة أتاتورك عام 1938، «ابتعد عن السياسات الاستقلالية والمعادية للإمبريالية التي مارسها أتاتورك في السياسة الخارجية. وليس أدلّ على ذلك، من تصريحات الزعيم السابق للحزب، كمال كيليتشدار أوغلو، عام 2022 من أن تركيا هي «جزء من حلف شمال الأطلسي. ولا يمكن أن ننظر إلى تركيا على أنها خارج الحلف. الأطلسي ليس فقط منظّمة دفاعية، بل هو ضمانة للديموقراطية في القرن الحادي والعشرين»». ووفق زلال، فإن «الأطلسي الذي يدعمه حزب الشعب الجمهوري هو الداعم للمنظمات الإرهابية (تقصد حزب العمال الكردستاني) والديكتاتوريات العسكرية، وهو الذي حوّل تركيا إلى مخفر أمامي في الحرب الباردة، وهو الشريك في التوحّش الكامل الذي مارسه في أفغانستان والعراق وليبيا وأوكرانيا واليمن وسوريا ومع إسرائيل ضدّ الفلسطينيين، وهو الذي تذرّع بالحرب على الإرهاب لكي ينهب ثروات الشعوب، وهو الأداة الرئيسيّة للسيطرة على هذه الثروات».
الأحزاب التي عارضت انضمام السويد إلى «الناتو» هي إمّا صغيرة أو لها حسابات محلّية، ولا تقدّم ولا تؤخّر


من جهته، رأى محمد علي غولر، أن «تصويت البرلمان أبقى تركيا في الأطلسي وفي جبهة الغرب»، معتبراً أنه «لا يمكن محاربة الأطلسي من دون محاربة الأطلسيين في الداخل». ولفت غولر إلى أن «توسيع الحلف مفيد لأميركا ومضرّ بتركيا. كلّما كثرت دول الأطلسي، اتّسع العداء بين تركيا وجيرانها. وكلّما بقيت تركيا في الأطلسي، سيخرج البحر الأسود من كونه بحر سلام إلى بحر حروب. توسيع الأطلسي هو ضرر لروسيا والصين، فيما علاقات جيدة مع روسيا والصين تصبّ في مصلحة تركيا. وبقاء تركيا في الأطلسي، يعني استمرار منظومة الدفاع العسكرية القائمة والتي تعني احتكار أميركا بيع الأسلحة لتركيا، وإبطاء تطوير الصناعات العسكرية المحلّية».
وفي الاتجاه نفسه، قال العميد المتقاعد علي إر، إن انضمام السويد وفنلندا «يفيد بشكل أساسي الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا»، مضيفاً أن «السبب الأساسي لإصرار هذه الدول على عضوية البلدَين ليس قيام دفاع مشترك في مواجهة التهديد الروسي، بل التغيير الجذري في الطرق البحرية التي يجلبها الاحترار العالمي». ولفت إلى أن «سفينة من الصين إلى هولندا يمكن أن تقلّل المسافة اللازمة للوقت 40% في حال كان هناك ذوبان للجليد في القطب الشمالي. الرأسمالية الغربية التي لا تريد تفويت هذا المكسب، تريد أن تكون لها اليد العليا عبر الدول الإسكندنافية، وعلى رأسها غرينلند». وبحسب إر، فإن «الأطلسي بموافقة تركيا على انضمام السويد وفنلندا، يضمن عدم انسلاخها عن الحلف، حيث لا مصلحة لأنقرة في البحث عن مكان في نادٍ آخر».
في المقابل، رأى السفير المتقاعد، أولوتش أوزيلكير، أن «أمن تركيا مرتبط بوجود حلف شمال الأطلسي. وقد رأينا أهميّة أن تمارس تركيا حقّ النقض داخل الحلف من أجل مصالحها، خصوصاً أنها الجيش الثاني بعد الولايات المتحدة في الحلف». واعتبر أنه «مع انضمام السويد وفنلندا الضعيفتَين عسكرياً، فإنه يمكن القول إن منطقة البلطيق قد أُغلقت أمام روسيا. إن انضمام هاتَين الدولتَين يجب ألّا يُقلق تركيا ما دام لها الحقّ في استخدام الفيتو. ويجب أن نكون واقعيين في السياسة الخارجية، وإلّا لمصلحة مَن الخروج من الأطلسي مثلاً؟ هذا يفتح أمام تغيير شامل في قواتنا المسلّحة. حتى الآن، معاييرنا والأطلسي واحدة».