طهران | يزور وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، اليوم، إسلام أباد، تلبيةً لدعوة نظيره الباكستاني، جليل عباس جيلاني، في ما يؤشّر إلى حرص البلدَين على بناء جسور التواصل، وترميم العلاقات الثنائية، في أعقاب الضربات الصاروخية المتبادلة بينهما، علماً أن مسبّبات التصعيد والتوتّر في العلاقات لا تزال على حالها. وعشيّة الزيارة، اتفق كلا الجانبَين على عودة سفيرَيهما إلى مقرّي عملهما، ما يعيد العلاقات الديبلوماسية بينهما إلى حالتها الطبيعية. وكانت إيران قد أقدمت، في الـ 17 من الشهر الجاري، على استهداف مقرّ لمجموعة "جيش العدل" الإيرانية التي تصنّفها إرهابية، داخل الأراضي الباكستانية، بالصواريخ، من دون أن تتعمّد "انتهاك السيادة الوطنية الباكستانية"، وفق ما صرّحت. بيدَ أن الخطوة الإيرانية أثارت حفيظة الجارة الباكستانية، ما دفعها إلى الردّ بالمثل بعد يومين، عبر قصف مناطق في محافظة سيستان وبلوشستان جنوب شرق إيران، علماً أن الهجومَين تسبّبا بسقوط ما لا يقلّ عن 12 قتيلاً. وفاجأت الضربات الصاروخية المتبادلة بين بلدَين يقيمان علاقات مستدامة وغير عدائية، الكثير من المراقبين، بحيث وجّه البعض في إيران انتقاداً للضربة ضدّ باكستان، باعتبارها "سوء تقدير" يمكن أن يثير التوتّر مع دولة تمتلك قنبلة نووية، ويُعدّ جيشها المؤسّسة الأقوى في البلاد، ما يعني أن الهجوم في ذاته يمكن أن يشكّل خرقاً لمبدأ الردع، ويزيد تالياً من احتمال الردّ الباكستاني.لكن، يبدو أن التواصل بين مسؤولي البلدَين بعد ساعات من الهجمات الصاروخية المتبادلة، وعودة السفيرَين إلى مقرّي عملهما، وكذلك زيارة وزير الخارجية الإيراني لإسلام أباد... كلها مؤشرات تظهر حرصهما على الحدّ من تزايد حدّة التوترات. وخلال تسلّمه أوراق اعتماد السفير الباكستاني في طهران، محمد مدثر تيبو، السبت، وصف الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، البلدين بأنهما "شقيقان"، و"تربطهما أواصر لا تنفصم"، مؤكداً ثبات سياسة حكومته القائمة على "الجيرة والتقارب" في التعامل مع باكستان.
غير أن ما تقدَّم لا يعكس القضية برمّتها؛ فعلى الرغم من التعاون الثنائي بين طهران وإسلام أباد، وإجراء قواتهما المسلّحة مناورات مشتركة، ثمّة قضايا تمهّد لاندلاع أزمات بينهما، أهمّها، أمن الحدود وحَراك المجموعات شبه العسكرية على جانبَيها، علماً أن لإيران وباكستان حدوداً مشتركة تمتدّ على أكثر من 900 كيلومتر، حيث تنتشر على جانبيها مجموعات مسلّحة تزعزع الأمن في هذه المناطق من خلال العمليات التي تقوم بها بين الفينة والأخرى. ويتّهم البلدان، أحدهما الآخر، بالتقاعس في مكافحة تلك المجموعات، إذ تقول إيران إن مقرّ قيادة ولوجستيات مجموعة "جيش العدل" شبه العسكرية التي تنفّذ عمليات إرهابية داخل الجمهورية الإسلامية، يقع في باكستان، فيما تقول الأخيرة إن المجموعات الانفصالية للبلوش الباكستانيين، موجودة في إيران. وتحوّلت المزاعم المذكورة إلى قاعدة انطلقت منها الهجمات العسكرية للبلدَين ضدّ أحدهما الآخر، فيما تنقّل رعايا البلدَين على جانبَي الحدود، والذي يحصل بصورة غير شرعية في الكثير من الحالات، جعل الموقف أكثر تعقيداً.
الفراغ الأمني في المناطق الحدودية بين إيران وباكستان قد يؤدّي إلى اندلاع توتّرات غير مقصودة بينهما


وعلى الرغم من أن سلطات البلدَين تسعيان، في الوقت الحالي، إلى التغلّب على تداعيات التصعيد الأخير، غير أن الفراغ الأمني في المناطق الحدودية قد يؤدّي إلى اندلاع توتّرات غير مقصودة بينهما. ويوم السبت، وبالتحديد اليوم الذي التقى فيه السفير الباكستاني الجديد في طهران، الرئيس الإيراني، أُعلن أن 9 مواطنين باكستانيين لقوا مصرعهم، وأُصيب آخرون، في منطقة سراوان الحدودية في محافظة سيستان وبلوشستان الإيرانية، إثر هجوم شنّه مسلّحون مجهولون. وقيل إن الأشخاص الذين لقوا حتفهم هم عمّال في هذه المنطقة منذ سنوات، فيما لم تتبنَّ، إلى الآن، أيّ جهة، العملية. وأعقبت هذا الهجوم الذي لم تتّضح بعد الجهة التي تقف خلفه، ردود فعل كثيرة، إذ ندّدت به باكستان، ودعت السلطات الإيرانية إلى التعاون لتحديد هوية منفّذيه. ووصفه وزير الخارجية الباكستاني بأنه "محاولة من الأعداء المشتركين، لنسف العلاقات بين باكستان وإيران"، فيما قال السفير الباكستاني لدى إيران، إنه "صُدم" بسبب ذلك الحادث، ودعا طهران إلى "التعاون بشكل كامل" لمتابعته. من جهته، ندّد الناطق باسم وزارة الخارجية الإيرانية، ناصر كنعاني، بقوّة بالهجوم، معرباً عن مواساة بلاده للحكومة الباكستانية وأُسر الضحايا، وقال إن "ايران وباكستان لن تسمحا للأعداء بالمساس بالعلاقات الأخوية بين البلدَين"، مؤكداً أن التحقيقات مستمرّة.
ويمكن أن يلقي هذا الحادث بظلاله على الزيارة التي يقوم بها، اليوم، وزير الخارجية الإيراني، إلى إسلام أباد، وأن يتحوّل موضوع التعاون الأمني بين البلدَين في ظلّ احتقان كهذا في المناطق الحدودية، إلى أحد الموضوعات المدرجة على جدول أعمال الزيارة. وفي السیاق، قال أمیر عبد اللهیان، أمس: "لقد شهدنا تحرّكات إرهابية في إقليم كردستان في شمال العراق ودولة باكستان الصديقة والشقيقة، ومن منطلق أن الإرهابيين استهدفوا أمن إيران وجيرانها، أجرينا محادثات إيجابية وجيدة مع المسؤولين في الإقليم ودولة باكستان". وتابع: "أتوجّه إلى باكستان، كما سيُجري علي أكبر أحمديان، أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، زيارة للعراق".