ثمّة جملة مفارقات أحاطت بالهجوم الذي استهدف قاعدة للقوات الأميركية في شمال شرق الأردن، قرب الحدود مع سوريا، والذي نسبه الرئيس الأميركي، جو بايدن، إلى من وصفها بأنها «جماعات متشدّدة موالية لإيران تعمل في سوريا والعراق»، متعهداً بالرد «في الوقت والطريقة المناسبين».أولى تلك المفارقات أنه الهجوم الأول الذي يستهدف قاعدة للقوات الأميركية داخل الأردن، الذي ما زالت واشنطن تعتبره منطقة آمنة لتواجد قواتها وانطلاقها للعمل في ساحات مختلفة منها سوريا والعراق، كما تعتبره إسرائيل عازلاً أمام أي مخاطر آتية من الشرق، ولا سيما في ظل وجود نظام يتحكّم بفعل الدعم الغربي الكبير و«الشرعية الهاشمية» التاريخية التي يتمتع بها، كلّ مفاصل البلاد، ما يحول دون تشكّل تهديد مسلّح لإسرائيل انطلاقاً من الضفة الشرقية لنهر الأردن. وهذا الوضع كان قد حسمه الملك الراحل حسين، عند طرد «منظمة التحرير الفلسطينية» من الأردن إلى لبنان في سبعينيات القرن الماضي. ولا زال ذلك الواقع قائماً مذّاك، رغم الخروقات المحدودة بين فينة وأخرى.
والأكيد أن اهتزاز وضع النظام في الأردن في هذه المرحلة الدقيقة في ظلّ حرب غزة، والغليان الذي يشهده الشارع الأردني نتيجة المجازر الإسرائيلية في القطاع، وأيضاً على نحو أقل في الضفة الغربية، ليس خبراً جيداً لا للأميركيين الذين استثمروا كثيراً في هذا النظام - وقبلهم البريطانيون - منذ عشرات السنين، ولا للإسرائيليين، ولا في المقام الأول للنظام نفسه الذي حاول نفي أن يكون مستهدفاً بالضربة عبر المسارعة إلى القول إنّ الهجوم وقع في الأراضي السورية وليس الأردنية، وهو ما أكدت عكسه كل الوقائع، بما فيها التصريحات الأميركية على أعلى المستويات.
اهتزاز وضع النظام الأردني في هذه المرحلة الدقيقة ليس خبراً جيداً لا للأميركيين ولا للإسرائيليين


ثانية المفارقات، أن الهجوم، الذي نسبته الصحف الأميركية إلى المقاومة العراقية، هو الأكثر إيقاعاً للإصابات بين الجنود الأميركيين، من بين ما يزيد عن 160 عملية نفّذتها المقاومة ضد القواعد الأميركية في سوريا والعراق وبعض الأهداف الأخرى في فلسطين المحتلة والبحر المتوسط والجولان. فهل هي صدفة؟ أم أن المسيّرة المُستخدمة فيه هي من نوع خاص يُستخدم في حالات معينة، حين يُراد توجيه رسالة قوية إلى الجانب المستهدف؟ فمن بين 350 جندياً تؤويهم القاعدة، قتل 3 جنود وأصيب 40 آخرون، أي ما يزيد على 10% من مجمل نزلاء القاعدة.
ثالثة المفارقات، أن القاعدة المسماة «البرج 22» التي تقع في مكان غير بعيد من قاعدة «التنف»، تلعب، مع «التنف»، دوراً أساسياً في الأزمة السورية، إنما من الجانب الأردني، ولا سيما أنها على مقربة من مخيم الركبان الذي يؤوي لاجئين سوريين، وأيضاً مسلحين تدرّبهم وتستخدمهم القوات الأميركية. واللافت أن «التنف» نفسها استُهدفت بهجوم آخر في اليوم نفسه، ولكنه كان مشابهاً للهجمات التي حصلت بعد بدء العدوان على غزة، من دون أن تُحدث تأثيراً يُذكر في المكان المستهدف.
رابعة المفارقات، أن المنطقة الحدودية تلك، تحولت إلى ما يشبه الحرب الناشطة بين القوات الأردنية، المدعومة أميركياً، وبين ما تعتبره سلطات الأردن، عصابات تهريب حبوب «الكبتاغون» إلى الخليج عبر أراضيها. وفي بعض الحالات استخدمت عمّان سلاح الطيران، وقتلت من قيل إنهم بعض زعماء هذه العصابات، ولا سيما في محافظة السويداء. لكن ما لا يُعلن هو أن الحدود نفسها تحولت أيضاً إلى منطقة لتهريب السلاح، يخشى الأميركيون والسلطات الأردنية أن يُستخدم بعضها ضد إسرائيل أو ضد النظام الأردني في مرحلة من المراحل.
أما خامسة المفارقات، فهي أن موسكو تتّهم واشنطن بتحويل ذلك المثلث الحدودي إلى مركز تدريب لـ«داعش»، لاستخدام عناصره في مهمات تخريبية، ولا سيما إذا وجدت نفسها يوماً ما مضطرة للانسحاب من تلك المناطق، بسبب الخسائر أو أيّ سبب آخر، فيكون ذلك مانعاً لأي انتصار قد تعلنه الأطراف المناوئة للولايات المتحدة في هذه المنطقة.