رام الله | تتّسع مفاعيل الفشل العسكري الإسرائيلي في قطاع غزة، وعدم قدرة الاحتلال على انتزاع صورة نصر أو إنجاز، أو بطبيعة الحال الظفر بأهداف العدوان. وعلى هذه الخلفية، تبدو إسرائيل في وضع مغاير، تتخبّط فيه أمام رعاتها لإخفاء هزيمتها، بعدما تلطّخت أيديهم جميعهم بجرائم الإبادة في القطاع. وفي ضوء هذا الفشل، يسعى الاحتلال إلى تحصيل مكاسب لتحقيق أهدافه، عبر سلّة مطالب فضفاضة، من ضمنها تهجير سكان القطاع إلى دول العالم، من أجل إعادة المستوطنات إلى غزة، وإقامة حكم عسكري إسرائيلي فيها، فضلاً عن تغيير طبيعة القيادة الفلسطينية، وتنصيب أخرى عميلة له لإدارة القطاع ما بعد الحرب، إلى جانب التغييرات التي يريد إدخالها على المناهج التعليمية الفلسطينية، فيما لم تستثن مطالبه المنظومة الدولية والأممية من خلال دعوته إلى إحداث تغيير في «وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين» (أونروا).على أن الحرب التي تشنها إسرائيل، منذ عقود، ضدّ المنظّمة الأممية، ليست سرّاً، بل هي مرتبطة بمساعي إنهاء حقّ العودة للاجئين الفلسطينيين الذين طُردوا من منازلهم عام 1948. وبعدما مُنيت جهود إسرائيل السابقة في تقويض «الأونروا»، بالفشل، إثر تبدُّد بعض المكاسب التي حقّقتها في السنوات الأخيرة - بفعل قرار للرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، وقف تمويل الوكالة -، مثّلت الحرب على غزة فرصةً لوضع «الأونروا» مجدّداً على جدول أعمال التصفية، عبر اتهام موظفين في الوكالة بالاشتراك في عملية «طوفان الأقصى». ومن هنا، لا يعود مفاجئاً الهجوم الإسرائيلي على «الأونروا»، والذي تزامن مع قرارات «محكمة العدل الدولية» ضدّ الاحتلال، فيما لم تكن غريبة أيضاً، سرعة استجابة واشنطن وعواصم تابعة لها، بتجميد تمويل الوكالة، لدفعها نحو الانهيار، ما خلق تساؤلات حول وجود بدائل منها، في ظلّ عدم القدرة على تلبية الاحتياجات الإنسانية للنازحين واللاجئين في غزة.
ووفق ما كشفته وسائل إعلام عبرية، فقد صادقت حكومة بنيامين نتنياهو على خطّة أعدّتها وزارة الخارجية، تتألّف من ثلاث مراحل تقود إلى تقويض «الأونروا»، وصولاً إلى إخراجها من القطاع. وتشمل المرحلة الأولى من الخطّة تأكيد انتماء موظفين في الوكالة في قطاع غزة إلى حركة «حماس»، ما يضع الأولى في قفص الاتهام. ومن ثمّ تأتي المرحلة الثانية المتمثّلة في فرض حصار مالي عليها، والتوقف عن تمويلها، بما يؤدّي إلى تعطيل برامجها وشلّ خدماتها، وعجزها عن تسديد رواتب موظفيها، وتالياً إحداث الفوضى في صفوفها وإغلاق مراكزها. وفي المرحلة الثالثة، يتم إخراج «الأونروا» من القطاع، وتكليف «الإدارة المدنية» التي تسعى إسرائيل إلى تشكيلها بعد وقف المعارك، لإدارته، ببناء جهاز إداري بديل للوكالة، تكون هي مرجعيته، ويقع تحت الإشراف الأمني الإسرائيلي.
عرضت إسرائيل نحو 6 منظّمات اعتبرتها بدائل محتملة لـ«الأونروا» للإشراف على إيصال المساعدات إلى غزة


ويبدو أن إسرائيل لا تريد حالياً اجتثاث «الأونروا» نهائياً، بل إضعافها حتى يتسنّى لها تحقيق هدف القضاء عليها في التوقيت الذي تراه مناسباً، بينما تعمل على ترتيب البدائل الأخرى. وفي هذا الجانب، نقل موقع «تايمز أوف إسرائيل» عن مسؤول إسرائيلي قوله إن حكومته لا تستعجل طرد «الأونروا» من غزة، ولا تؤيّد الوقف الفوري لعملها، كون ذلك قد يتسبّب «في كارثة إنسانية ستجبر إسرائيل على وقف قتالها ضدّ حماس، وهذا لن يكون في مصلحة إسرائيل ولن يكون في مصلحة حلفاء إسرائيل أيضاً». وأضاف المسؤول: «نعتقد أنه على المدى الطويل، لا يمكن الأونروا أن تكون جزءاً من الحلّ ولا يمكن أن تكون جزءاً من اليوم التالي لحماس»، مستدركاً بأن «الأونرواً هي حالياً المنظمة الدولية التي تلعب الدور الأكبر في دخول وتسليم المساعدات الإنسانية إلى غزة». وفي السياق نفسه، ذكرت صحيفة «واشنطن بوست»، نقلاً عن مسؤول أميركي، أن الأميركيين والإسرائيليين يعترفون بأنه لا توجد وكالة بديلة من «الأونروا»، وأن إسرائيل لا تريد تحمّل المسؤولية عن ذلك، كون القانون الدولي يجبر الجهة المحتلّة على تحمّل مسؤولية المدنيين. ولذا، فإن هدفها، وعلى المدى القريب، كان إهانة «الأونروا»، ومن ثم استخدام ما جرى كمحفّز للقيام بحملة طويلة وقاسية لاستبدال المنظمة.
واستكمالاً لما تقدّم، عقد أعضاء في الكونغرس (من الديموقراطيين اليهود)، أول من أمس، اجتماعاً مع إيلاد جورين، وهو مسؤول كبير في الهيئة العسكرية الإسرائيلية المشرفة على الشؤون المدنية الفلسطينية المعروفة باسم «COGAT». وبحسب ما سُرِّب من اللقاء، فقد رشّح جورين، خلال الاجتماع، نحو 6 منظّمات اعتبرها بديلة للإشراف على إيصال المساعدات إلى قطاع غزة، من بينها «منظمة الأمم المتحدة للطفولة» (اليونيسف)، و«برنامج الأغذية العالمي» التابع للأمم المتحدة، بحسب موقع «أكسيوس» الأميركي الذي نقل عن أحد النواب، قوله إن «الإسرائيليين يريدون أن تكون هناك مساعدات إنسانية، لكنّ الأونروا تمثّل مشكلة (لهم)»، ومن ثمّ «يجب أن تكون هناك بدائل لها، وهناك بدائل بالفعل، ينبغي الاستعانة بها».