طهران | على الرغم من أن إيران والولايات المتحدة تجنّبتا، إلى الآن، الدخول في مواجهة مباشرة وواسعة، غير أن إطالة أمد الحرب في غزة وتعاظم تداعياتها على بلدان المنطقة، دفعا بالبلدَين في اتّجاه المزيد من التصعيد. وارتفع منسوب التوتر بينهما، خصوصاً، في أعقاب الهجوم الذي استهدف، يوم الأحد الماضي، قاعدة "البرج 22" الأميركية في الأردن، وأودى بحياة ثلاثة جنود أميركيين، وأدى إلى إصابة عشرات غيرهم، ما أثار في الأوساط السياسية والإعلامية الإيرانية تكهنات مختلفة حول مآل هذا التصعيد، خصوصاً أن الولايات المتحدة ستحاول حتماً تعزيز صورة ردعها بوجه إيران والمجموعات المتحالفة معها في المنطقة، إذ أعلن الرئيس الأميركي، جو بايدن، أخيراً، أنه اتّخذ قراره في شأن كيفية الردّ على مقتل العسكريين الأميركيين، لكنه أكّد في الوقت ذاته أن إدارته لا تريد "حرباً شاملة". وحمّل بايدن الذي يتعرّض لضغوط شديدة ليبادر إلى اتّخاذ إجراء فوري وحاسم ضدّ طهران، الجمهورية الإسلامية المسؤولية بسبب توفيرها السلاح للضالعين في ضربة الأردن.في المقابل، نفت السلطات الإيرانية أيّ علاقة لها بالهجوم الذي نُفّذ بواسطة مُسيّرة قالت الإدارة الأميركية إنها إيرانية الصنع من طراز "شاهد"، أو أي دور لها في قرارات المجموعات شبه العسكرية التي تدعمها، ولكنها أكدت أنها ستردّ بحزم على أيّ تهديد يستهدفها. وفي هذا الجانب، أعلن وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، أول من أمس، أن ردّ بلاده سيكون في ظروف التهديد "حاسماً وفورياً"، لكنه دعا أميركا إلى "الكفّ عن لغة التهديد والإسقاط وأن تركّز على المقاربة السياسية". وفي الموازاة، قال قائد "الحرس الثوري" الإيراني، حسين سلامي: "(إنّنا) نسمع في هذه الأيام شيئاً من التهديد على لسان المسؤولين الأميركيين، نقول لهم لقد اختبرتمونا، وإن القاسم المشترك بيننا هو أنّ أحدنا يعرف الآخر، ولا نترك أيّ تهديد يمرّ من دون جواب". وتابع: "لا نريد الحرب، لكنّنا لا نخشاها". وقبل هذه التصريحات، نفى مندوب إيران لدى الأمم المتحدة، أمير سعيد إيرواني، الأنباء التي تحدّثت عن إرسال البيت الأبيض رسائل عديدة إلى طهران عن طريق وسطاء، قائلاً إن "السياسة المبدئية للجمهورية الإسلامية الإيرانية قائمة على أنه إذا هاجم أيّ طرف الأراضي الإيرانية أو مصالحها ورعاياها خارج الحدود الإيرانية، فإنه سيُواجَه بردّ حازم وقوي".
وفي السياق ذاته، أفادت وكالة "رويترز" للأنباء، أمس، نقلاً عن "مصادر مطّلعة"، بأن "الحرس الثوري الإيراني قلّص انتشار كبار ضباطه في سوريا بسبب موجة من الضربات الإسرائيلية"، مضيفة أنه "بينما يطالب غلاة المحافظين في طهران بالثأر، فإن قرار إيران سحب كبار الضباط مدفوع جزئياً بحرصها على ألّا تنجرّ إلى صراع يحتدم في أنحاء الشرق الأوسط". ووفق مراقبين في إيران، فإن استمرار الحرب في غزة، أدّى إلى بدء خروج الأمور عن السيطرة، ودفع بطهران وواشنطن إلى رفع مستوى المواجهة. وفي هذا الإطار، رجّحت صحيفة "إيران" الحكومية أن ترتفع حدّة التصعيد في المقبل من الأيام، معتبرةً ذلك "فخّاً" إسرائيليّاً. ورأت الصحيفة أن "الإدارة الأميركية، وللتهرّب من المأزق الذي أحدثته في الشرق الأوسط والاستجابة لدعاة الحرب وحلفائها الصهاينة، لا ترى بداً من أن تضع الجمهورية الإسلامية في البؤرة للتملّص من الضغط، وأن تتّخذ أيّ إجراء وإنْ كان محدوداً ضدّها؛ وهذا هو الفخ الذي حذّرت الجمهورية الإسلامية، السلطات الأميركية منه مراراً في أعقاب اندلاع الحرب في غزة، وقالت إنها لن تقع في فخّ سيناريو تحويل حرب إسرائيل - حماس إلى حرب إيران - أميركا". وأضافت أن "من أجل حماية المصالح التي تحقّقت، خلال السنوات الأخيرة، على أرضية اتباع سياسة إقليمية بنّاءة وسلمية مع الدول العربية، من مغامرات المحور الأميركي - الإسرائيلي، فإن إيران جاهزة لاستخدام مركِّبات قوّتها في الميدان. وعليه، يبدو أنه بمنأى عن أيّ إجراء يتّخذه الساسة الأميركيون للتفلّت من ضغوط دعاة الحرب المناهضين لإيران، فإنه من الضروري الانتباه إلى أنه ومن أجل أن ينقذوا أنفسهم بصورة نهائية، فلا خيار أمامهم سوى إطفاء محرّك القتل والعدوان الإسرائيليَّيْن على أرض غزة".
تخضع إدارة بايدن لضغوط منتقديها في معسكر الجمهوريين، لتتّخذ إجراءً قاسياً ضدّ إيران


وتواجه إدارة بايدن ضغوط منتقديها في معسكر الجمهوريين، لتتّخذ إجراءً قاسياً ضدّ إيران، بيد أن العديد من المراقبين يشكّكون في أن هذا الإجراء سيكون على شكل هجوم مباشر ضدّ إيران، كما يحبّذه بعض الجمهوريين. ونشرت صحيفة "هم ميهن" مقالاً لأكبر مختاري، المختصّ في الشأن الدولي، بعنوان "هل تهاجم أميركا، إيران؟"، قال فيه: "ليست إدارة بايدن فحسب، بل حتى إن كانت إدارة ترامب في السلطة، لكانت ابتعدت عن إشعال فتيل حرب إقليمية كبرى، لأن الحرب الإقليمية الكبرى ستكلّف أميركا وحلفاءها أثماناً باهظة، بحيث لا يمكن التكهّن في أبعادها الدقيقة. والمسألة الأخرى هي أن الهجوم المباشر على إيران، يمكن أن يشعل نار حربٍ، بدايتها مع أميركا، غير أن نهايتها تتوقّف على مركّبات عديدة. مركّبات يقوم ترامب وفريقه منذ الآن بتحديد مكامن ضعفها وقوتها، لكي يستخدموها ضد بايدن في الانتخابات الرئاسية لعام 2024".
وفي الوقت ذاته، فإن بعض الأوساط السياسية والإعلامية الأكثر قرباً من التيار الإصلاحي، تدعو إلى حوار بين طهران وواشنطن، بهدف تلافي مواجهة مباشرة. وكتب حسام الدين أشنا، كبير مستشاري الرئيس الإيراني السابق، حسن روحاني، عبر حسابه الخاص في منصة "إكس" تعقيباً على المقال الذي نشره حديثاً مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، وليام بيرنز: "إن كان أحد يظنّ أنه يجب أو يمكن عقد صفقة (مع أميركا) من منطلق أو من موقع القوّة فقط، فالآن هو وقت ذلك".
من جهتها، شدّدت صحيفة "اعتماد"، في مقال لـ"أبو الفضل فاتح"، أحد المديرين الإعلاميين في حكومة محمد خاتمي الإصلاحية، على ضرورة "الحوار الفوري والمباشر بين إيران وأميركا". وأضافت: "في ظلّ هذه الظروف التي يخيّم فيها شبح الحرب، واحتمال أن يدخل عناصر غير منضبطين على الخط، ونظراً إلى الأثمان التي تفوق التصوّر لأيّ نزاع مباشر، فإن الدبلوماسية والحوار المباشر، لا يزالان يشكّلان أفضل الخيارات بالنسبة إلى إيران وأميركا، وبالتحديد قبل اندلاع أيّ مواجهة في أيّ مستوى كانت. وعلى رغم أن الحوار ما بعد المواجهة المحتملة لا يزال نافعاً، لكنه قد لا يحقّق النتيجة المرجوّة اليوم. وهذا يخدم مصالح البلدَين وكذلك التوازن الإقليمي، ويخدم البشرية وأهالي غزة المظلومين على السواء. إن الحوار، يمثّل فرصة تتيح للبلدين مباشرة إمكانية التوصّل إلى تفاهم نسبي حول التوترات الإقليمية، فضلاً عن أنه يضاعف الضغط على إسرائيل للتوصّل إلى وقف لإطلاق النار".