رام الله | لم تمرّ ساعات على إصدار الرئيس الأميركي، جو بايدن، مساء الخميس، أمراً تنفيذيّاً يهدف إلى معاقبة المستوطنين الذين يهاجمون الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلّة، حتى جاء الردّ بالإعلان عن عقد اجتماع لمناقشة مخطّط لبناء 7000 وحدة استيطانية وشرعنة بؤر عشوائية في الضفة. وإذا كان بايدن يرى أن «الوضع في الضفة، ولا سيما عنف المستوطنين المتطرّفين وتدمير الممتلكات، بلغ مستويات لا تُحتمل، ما يشكّل تهديداً خطيراً للسلام والأمن والاستقرار في الضفة الغربية وغزة وإسرائيل ومنطقة الشرق الأوسط»، فإن ذلك لم ينعكس في قراره التنفيذي الذي عاقب 4 مستوطنين فقط، مستثنياً عشرات المسؤولين في حكومة بنيامين نتنياهو، على رغم تحريضهم الواضح على ارتكاب جرائم ضدّ الفلسطينيين.وبحسب ما سُرّب، فإن وزيرَي الأمن القومي إيتمار بن غفير، والمالية بتسلئيل سموتريتش، كانا على قائمة العقوبات، لكنهما شُطبا في نهاية الأمر، ما يثبت أن الخطوة الأميركية تندرج في سياق التحايل الغربي المستمرّ، وفق ما أكّدته تصريحات منسّق الاتصالات الإستراتيجية في مجلس الأمن القومي الأميركي، جون كيربي، الذي نفى وجود خطط لاستهداف المسؤولين الحكوميين الإسرائيليين بالعقوبات حالياً. ومع ذلك، لم يكتفِ سموتريتش بالقول إن «حملة عنف المستوطنين كذبة معادية للسامية نشرها أعداء إسرائيل بهدف تشويه المستوطنين الأوائل والمؤسّسة الاستيطانية وإلحاق الضرر بهم، وبالتالي تشويه سمعة دولة إسرائيل بأكملها»، بل أوعز إلى مديرية الاستيطان التي شكّلها بنفسه، بعد تعيينه وزيراً مسؤولاً عن الاستيطان في وزارة الأمن، بعقد اجتماع للجنة التخطيط العليا في «الإدارة المدنية» التابعة للجيش، بهدف المصادقة على بناء 7000 وحدة سكنية جديدة في مستوطنات الضفة.
من جهته، ذكر موقع صحيفة «يديعوت أحرونوت»، نقلاً عن رئيس مجلس الكتلة الاستيطانية «غوش عتصيون»، ورئيس مجلس المستوطنات شلومو نئمان، قوله إن لجنة التخطيط العليا لم تجتمع منذ حزيران الماضي، وإن «صمتنا، حتى الآن، نابع من الإدراك أن دولة إسرائيل في فترة معقّدة جداً، فيما العلاقات الإستراتيجية مع الولايات المتحدة تجري بموجب احتياجات الحرب». ولكنه رأى أنه «حان الوقت الآن لإنهاء تجميد البناء وتحريرنا من التوجيهات الأميركية المشينة التي تمنع على ما يبدو البناء» في المستوطنات، مشيراً إلى أن «أيّ وحدة سكنية لا يتمّ تخطيطها هذا العام، لن يتم بناؤها في الأعوام الثلاثة المقبلة. وعلى الحكومة الإسرائيلية ورئيسها أن يدركا أنّنا وصلنا إلى المرحلة التي سيتلقّى فيها العدو رداً ليس في غزة ولبنان فقط، وإنّما في يهودا والسامرة أيضاً». على أن عمل المديرية التي تجتمع بعد موافقة المستوى السياسي الإسرائيلي لن يقتصر على النظر في مخطّطات الوحدات الاستيطانية، بل سيشمل أيضاً شرعنة البؤر الاستيطانية العشوائية في الضفة وزيادة عدد المستوطنين.
نفّذ المستوطنون، في كانون الثاني الماضي، أكثر من 120 هجوماً واعتداءً في الضفة الغربية


وكان عدد من المستوطنين اقتحموا، صباح الخميس، قرية برقة قرب مدينة البيرة، وأقاموا بؤرة استيطانية فيها، بهدف السيطرة على أراضٍ واسعة منها وربطها بمستوطنات مقامة منذ عدة سنوات قرب المدينة، بدعم وحماية من الجيش الإسرائيلي. وبذلك، بات المستوطنون يسيطرون على نحو ألف دونم من أراضي القرية. وهذه البؤرة هي الخامسة التي تقام على أراضي برقة، فيما أهالي القرية باتوا يعيشون في ظلّ حصار مطبق واقتحامات متكرّرة تتخلّلها اعتداءات وحشية واعتقالات واقتحامات، ومنع للأهالي من الوصول إلى حقولهم، وإغلاق لمداخل القرية من قِبَل المستوطنين والجنود. أيضاً، نفّذ المستوطنون، في كانون الثاني الماضي، أكثر من 120 هجوماً واعتداءً في الضفة الغربية، بمعدّل 4 اعتداءات يومياً، من بينها قتل طفل وحرق ممتلكات. كما أنه منذ السابع من أكتوبر، هجّر المستوطنون، بدعم من قوات الاحتلال، 22 تجمّعاً بدوياً في الضفة يعيش فيها أكثر من 1500 مواطن، وقتلوا أكثر من 10 فلسطينيين، وبنوا عشرات البؤر الاستيطانية العشوائية في القرى والبلدات.
وكانت إسرائيل قد ألغت في شباط 2023 مشروع قانون «فك الارتباط» لعام 2005، والذي تمّ بموجبه الانسحاب من مستوطنات في الضفة الغربية وقطاع غزة، وهو ما يعني العودة إلى عدد من مستوطنات الضفة، وتحديداً في مدينة جنين. كمّا قرر المجلس الوزاري المصغّر (الكابينت) في ذلك الوقت، شرعنة 9 بؤر استيطانية، وتعزيز البنية التحتية والتوجيه بمزيد من البناء في المستوطنات القائمة. ويبلغ عدد البؤر الاستيطانية في الضفة، أكثر من 193، ونحو 50 بؤرة رعوية (رعاة ماشية)، إضافة إلى 176 مستوطنة، بينما أعلنت منظّمة «السلام الآن» الإسرائيلية، في مطلع كانون الثاني الماضي، أن المستوطنين أقاموا تسع بؤر استيطانية في الضفة خلال الأشهر الثلاثة من عمر الحرب، وشُقّت «18 طريقاً جديدة تمّ تعبيدها أو السماح للمستوطنين باستخدامها»، فيما ارتفعت بشكل قياسي أعمال العنف التي ارتكبها مستوطنون في الضفة، العام الماضي.