غزة | انقضت سبعة أيام على توغّل الدبابات الإسرائيلية في محيط مستشفى «الشفاء» غربي مدينة غزة، والذي حاصرته الآليات العسكرية من جهاته الأربع بالنار. ومذّاك، لم يتمكّن مَن في المجمع الطبي الذي يؤوي إلى جانب مئات الجرحى، أكثر من 15 ألف نازح، مِن الخروج للتزود من الطعام والماء، أو حتى النزوح عنه مجدداً إلى مناطق أخف توتراً، فيما بالكاد استطاع «سكّانه»، في ظروف الميدان الأقل توتراً، توفير حاجتهم من الطعام بشكل يومي. ووفقاً لأحمد عزيز، وهو نازح خاض مغامرة محفوفة بالموت كي يصل من «الشفاء» إلى مخيم جباليا أقصى شمال القطاع، فإنه ليس باستطاعة الآلاف من المحاصرين في المستشفى، الحصول على أدنى مقوّمات الحياة. ويقول عزيز: «خرجت من الجهة الغربية للمستشفى، حيث أطلقت علينا طائرات الكواد كابتر الرصاص، فاضطررت للعودة. وبعدما تراجعت حِدّة القصف، عاودت المحاولة، وقد قطعت أكثر من 10 كيلومترات جرياً على الأقدام، حتى وصلت إلى مشارف حي النصر، وهناك، أطلق قناص الرصاص على بعض الأشخاص وأصاب اثنين منهم».
ويتابع الشاب، في حديثه إلى «الأخبار»: «قبل الحصار، كاد الناس أن يموتوا جوعاً، لكن كانت هناك فرصة للخروج والبحث عن ما رخص سعره من بضائع، وكان هناك من يأتي من أهل الخير ليقدّم الأرز للأهالي بالمجان. إلا أنه خلال الأيام الأربعة التي قضيتها قبل الخروج، لم يجد الناس ما يأكلونه حرفياً، ولم يجدوا ما يشربونه. فُقِد الماء تماماً». والجدير بالذكر، هنا، أن مياه الآبار الجوفية في تلك المنطقة، غير صالحة للشرب إطلاقاً، لقربها الكبير من شاطئ البحر، بينما كان النازحون في المستشفى يقطعون مسافات طويلة يومياً إلى المناطق الشرقية للقطاع، لشراء المياه الجوفية الأخفّ ملوحة، والتي يمكن استخدامها لأغراض الطبخ.
الضغط الكبير بات مركّزاً على المستشفى «المعمداني» غير المؤهّل أساساً لاستيعاب حالات الطوارئ والعمليات الجراحية الحرجة


أما أمّ أحمد الكحلوت، وهي نازحة محاصرة في مستشفى الشفاء، فتؤكد، في حديثها إلى «الأخبار»، أن «عشرات الجرحى، متروكون في أقسام المستشفى من دون أي رعاية، حيث توقّف مولد المستشفى الرئيسي عن العمل، وحلّ الظلام في كل الأقسام». وتتابع المرأة: «جُرِح ابني وبدأت تخرج منه رائحة سيئة، لكن لا يوجد ماء حتى لغسل الجرح وتطهيره. في ساعات المساء، تستهدف الطائرات والقناصة كل من يتحرّك، ما يعطل عمل من تبقّى من طاقم التمريض الذي ليس بوسعه أصلاً أن يتعامل مع مئات الجرحى الذين تزدحم بهم طوابق المبيت».
وكانت الدبابات الإسرائيلية التي توغّلت إلى المناطق الغربية الجنوبية لمدينة غزة، تمركزت في محيط مفترق الصناعة، وشارع الوحدة، أخيراً. وبذلك، قطعت الطريق من المستشفى وإليه، من الجهتين الشرقية والجنوبية، فيما تواصل طائرات «الكواد كابتر»، منع تحرك المواطنين في الاتجاهين؛ الشمالي الذي يقود إلى أحياء النصر والشيخ رضوان والكرامة، والغربي الذي يقود إلى مخيم الشاطئ. وفيما تسبب هذا الحصار بخروج أقسام المستشفى عن العمل، يؤكّد مصدر طبي، في حديث إلى «الأخبار»، أن «المئات من الجرحى، الذين هم في حاجة إلى غذاء ومستهلكات طبية يعيشون أوضاعاً حرجة جداً». ويتابع: «ركّزت وزارة الصحة أخيراً طاقتها لإعادة تأهيل أقسام المستشفى، وقد قطعت شوطاً في ذلك، حيث شغّلت أربع غرف عمليات، واستجلبت كادراً طبياً، غير أن الحصار الحالي ساهم في إجهاض كل الجهود»، مستدركاً بأن «الضغط الكبير الآن بات مركّزاً على المستشفى المعمداني، غير المؤهل أساساً لاستيعاب حالات الطوارئ والعمليات الجراحية الحرجة».
وأمس، أعلنت وزارة الصحة أن جيش الاحتلال ارتكب 14 مجزرة ضد العائلات، راح ضحيتها 127 شهيداً في خلال 24 ساعة، فيما ارتفعت حصيلة الشهداء منذ بداية العدوان إلى 27365 شهيداً و66.630 جريحاً.