بعد جولة «برستيجية» لم تحمل أي جديد ضمن المسار الروسي (أستانا) للحل في سوريا، استضافتها العاصمة الكازاخية في كانون الثاني الماضي، يبدو أن ثمّة تفاؤلاً بدأ يتسرّب إلى الأجواء الروسية بإمكانية كسر الجمود القائم، سواء عبر المسار الروسي نفسه، أو عبر ذلك الأممي (اللجنة الدستورية) المجمّد منذ عام 2022، بعد أن عُقدت سبع جولات منه على مدار ثلاثة أعوام في جنيف، من دون تحقيق أي تقدّم يُذكر. وأكّد المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى سوريا، ألكسندر لافرنتييف، في تصريحات صحافية عقب لقاء «أستانا» الأخير، أن العمل جار على إمكانية استئناف المسار الأممي في شهر آذار المقبل، بعد التوافق على مكان جديد لعقد اللقاءات، إثر تعثّر عقدها في مسقط. وكانت المبادرة العربية اقترحت العاصمة العمانية في محاولة لتجاوز مشكلة المكان، بعد أن رفضت دمشق استئناف المحادثات في جنيف، على خلفية تخلي سويسرا عن حياديتها وانضمامها إلى العواصم الأوروبية التي فرضت عقوبات على روسيا.وفي وقت لم يُحدّد فيه بعد المكان الجديد لعقد الاجتماعات، ذكر لافرنتييف أن دمشق تدرس خياراتها، وذلك قبل استضافتها المبعوث الأممي إلى سوريا، غير بيدرسن، الذي سيزور سوريا في النصف الثاني من الشهر الحالي، في محاولة لوضع اللمسات الأخيرة على إعادة الحياة إلى المسار الأممي، والتوصل إلى اتفاق ينهي المشكلة المذكورة. ويأتي هذا بعدما تسبّب بنفسه بإفشال بعث المسار المشار إليه، بعد أن انقلب على مواقف أعلن من خلالها الموافقة على نقل مقر الاجتماعات، ليصرّ على عقد اللقاءات في جنيف، بفعل ضغوط أميركية علنية، تمكّنت حتى الآن من عرقلة التئام «الدستورية» وإفشال المبادرة العربية التي تفتح الباب أمام اللاجئين للعودة. وعنى ذلك استمرار استعمال الملف الإنساني كورقة ضغط في المحافل الدولية من قبل واشنطن، التي خفّضت تمويلها لبرامج المساعدات الأممية المقدّمة للنازحين واللاجئين، ما ضاعف مأساة مئات آلاف السوريين الذين كانوا يعتمدون على هذه المساعدات باعتبارها المصدر الوحيد للرزق.
وفيما لم يذكر المبعوث الروسي أسماء المدن التي تجري دراسة إقامة اللقاءات فيها، تجري أحاديث عن إمكانية عقدها في العاصمة السعودية الرياض، خصوصاً في ظل انفتاح الأخيرة على دمشق. كما يجري الحديث عن عواصم أخرى بينها عمّان والقاهرة، على أن تقيّم دمشق الموقف لتحديد خياراتها خلال الأيام المقبلة. ويعني ذلك، في حال حدوثه، قفزة كبيرة على طريق تحرير المسار الأممي من القيود التي تعيقه، ومن أبرزها الرفض الأميركي لتغيير المكان، ما يتوافق مع التسريبات الأميركية المتزايدة حول وضع خطط للانسحاب من سوريا، ودفع «قسد» إلى التقارب مع دمشق، بعد تعرّض مواقع واشنطن على الأراضي السورية لاستهدافات متواصلة من فصائل المقاومة.
وفي سياق مسارات الحل السياسية، تستعد موسكو لاستضافة قمة للدول الضامنة لمسار «أستانا» (روسيا وإيران وتركيا)، من دون تحديد موعد مؤكد لها حتى الآن، على رغم وجود توقّعات بانعقادها في النصف الثاني من هذا العام، قبل اللقاء الـ22 للجان «أستانا»، والذي جرى الاتفاق على التئامه في النصف الثاني من العام الحالي أيضاً. وفي مقابل التفاؤل الروسي بعودة الحياة إلى تلك المسارات، صعّدت أنقرة مرة أخرى من مواقفها حيال دمشق، بعد تعثّر المفاوضات المدفوعة من روسيا وإيران لفتح الأبواب المغلقة بينهما، إذ انتقد وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، والذي كان يشغل منصب رئيس الاستخبارات وزار دمشق أكثر من مرة في العامين الماضيين، سوريا، معتبراً أنها لا تتخذ القرار بمفردها وإنما تعتمد على حلفائها (روسيا وإيران). وهي تصريحات تتوافق مع السياسة التركية المتذبذبة، حيث تؤكد أنقرة عبر المنابر الصحافية وخلال اللقاءات الدبلوماسية أنها لا تريد البقاء في سوريا، بالتوازي مع عملها على مشاريع تتريك الشمال السوري وبناء تجمعات سكنية على طول الشريط الحدودي مع سوريا للتخلص جزئياً من أزمة اللاجئين.
وتأتي تصريحات وزير الخارجية التركي قبيل زيارة مرتقبة للرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، إلى تركيا، الأسبوع المقبل، في أول زيارة يجريها بوتين إلى دولة شريكة في «الناتو» منذ بدء الحرب في أوكرانيا، على أن يناقش الرئيسان سلسلة من المواضيع منها «التعاون في مجال الطاقة والأمن في سوريا بشكل أساسي»، وفق وزير الخارجية التركي.