رام الله | لم تمر ساعات على التحذير الذي أطلقته «شعبة الاستخبارات العسكرية» في جيش الاحتلال وجهاز «الشاباك»، لحكومة بنيامين نتنياهو، في شأن تصعيد محتمل في الضفة الغربية، وتحديداً في شهر رمضان (آذار المقبل)، حتى أماطت مصادر عبرية اللثام عن تحرّك أركان المؤسسة الأمنية لمواجهة ذلك الاحتمال. وأتى هذا بالتزامن مع زيارة وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، إلى الأراضي المحتلة، لمناقشة «اتفاق الإطار» المقترح بين دولة الاحتلال وحركة «حماس»، وشكل «التعاون» المنتظر بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، ضمن المساعي الأميركية التي انطلقت منذ 7 أكتوبر لضمان «الهدوء» في الضفة. وكشفت المصادر عن عقد اجتماع سري بين مسؤولين أمنيين إسرائيليين، ووزير الشؤون المدنية وأمين سر «اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير»، حسين الشيخ. وقالت «القناة 12» الإسرائيلية، مساء الثلاثاء، إن الاجتماع التأم في تل أبيب بمشاركة رئيس «الشاباك»، رونين بار، ومستشار «الأمن القومي» الإسرائيلي، تساحي هنغبي، و«منسق» عمليات حكومة الاحتلال في المناطق المحتلة، غسان عليان، مشيرة إلى أن اللقاء بحث «منع اشتعال الضفة الغربية، وتنسيق الجهود المشتركة للتهدئة الميدانية قبل شهر رمضان». وبحسب القناة، فإن عدم الإعلان عن اللقاء مردّه «الهجوم المتواصل الذي يشنه أركان الحكومة الإسرائيلية على السلطة الفلسطينية»، سواء رئيسها نتنياهو، أو وزراؤها الذين رفضوا أي دور لها في قطاع غزة بعد الحرب.
وكما جرت العادة في لقاءات الطرفين في السنوات الأخيرة، والتي تنشغل بالجوانب الأمنية والاقتصادية في ظلّ تغييب للملف السياسي، ركز اللقاء المذكور، وفقاً لمصادر عبرية، على «الاحتياجات الأمنية» بالنسبة إلى إسرائيل، ومدى تأثرها بتدهور الوضع الاقتصادي في الضفة. وذكرت «القناة 12»، في هذا الإطار، أن الشيخ طلب من الوفد الأمني الإسرائيلي، العمل على «السماح بإدخال العمال الفلسطينيين من الضفة إلى إسرائيل (داخل الخط الأخضر) للتخفيف من حدة الصعوبات الاقتصادية»، فيما أخبره الوفد بأن إسرائيل تدرس إمكانية ذلك، بينما تعدّ مخططاً تجريبياً سيتم بموجبه السماح بدخول «عمال فلسطينيين تبلغ أعمارهم 45 عاماً فما فوق بعد إخضاعهم لتحقيقات أمنية، ومن الحاصلين في السابق على تصاريح»، علماً أن هذا الطلب هو موضع نقاش بين المستويات السياسية والأمنية الإسرائيلية، نظراً إلى احتياجات الاقتصاد الإسرائيلي، وتذمّر أصحاب الأعمال، وانهيار قطاعات كبيرة في الكيان.
لم يصدر عن الشيخ أي نفي رسمي للقاء تل أبيب


وتعوّل إسرائيل والولايات المتحدة على جهود السلطة الفلسطينية لمنع أي تصعيد أمني في الضفة، وكبح أعمال المقاومة هناك. وانطلاقاً من ذلك، قدمت المؤسسة الأمنية توصيات للحكومة الإسرائيلية للتخفيف من حدة العوامل التي تسبب الغليان في الضفة، لم يؤخذ بها حتى الآن، فيما انصبّت اتصالات بلينكن مع المسؤولين الفلسطينيين، وعلى رأسهم الرئيس محمود عباس، على تطبيق «التفاهمات» التي جرى التوصل إليها في قمّتَي «العقبة» و«شرم الشيخ»، اللتين عقدتا قبل «طوفان الأقصى». إلا أن ذلك لا يترافق مع أي تراجع إسرائيلي في الأراضي المحتلة، حيث تشنّ قوات الاحتلال منذ السابع من أكتوبر حرباً يومية، قتلاً واعتقالاً واقتحاماً وتدميراً، لا بل إنها أعادت الضفة إلى حكمها العسكري المباشر، في وضع شبيه بما كانت عليه في «الانتفاضة الثانية»، عبر عزل مدنها وقراها بعضها عن بعضها بالحواجز العسكرية.
وفي المقابل، يمكن القول إن السلطة الفلسطينية نجحت، منذ 7 أكتوبر، في السيطرة على الأوضاع في الضفة ومنع انفجارها بشكل عام، وإن خرقتها أعمال مقاومة في بعض المناطق، من مثل مخيمَي جنين ونور شمس. وعلى خطّ مواز، اتّخذت السلطة موقف المتفرّج على العدوان على غزة لأسابيع، في انتظار معرفة ما ستؤول إليه الأمور، ممنّيةً نفسها بلعب دور في القطاع بعد انتهاء الحرب، ومتجاهلة الموقف الإسرائيلي الرافض لها ولدورها. وفي الوقت نفسه، عمدت، عبر بعض مسؤوليها، إلى مهاجمة «حماس» وتحميلها مسؤولية الحرب، بل إن الشيخ نفسه لوّح بمحاسبة المقاومة، في تصريحات قوبِلت بانتقادات واستياء شعبي، ما دفع بعض هؤلاء إلى التراجع عنها وتوضيحها، بينما التزم آخرون الصمت. وبخصوص اللقاء الأخير في تل أبيب، لم يصدر عن الشيخ أي نفي رسمي له، سواء عبر حساباته على وسائل التواصل الاجتماعي أو عبر الإعلام الرسمي، فيما نشرت وكالة فلسطينية محلية نقلاً عنه نفيه للاجتماع.