على وقع جولة عنيفة من المواجهات التي جرت أمس بين المقاومة من جهة وقوات الاحتلال من جهة ثانية، انطلقت في بيروت جولة جديدة من المساعي الفرنسية – الأميركية الخاصة بمحاولة عزل حدود لبنان الجنوبية عن الحرب القائمة ضد قطاع غزة. وكان لافتاً أنه في ظل ارتفاع منسوب التهديدات الإسرائيلية بشن حرب على لبنان، قامت المقاومة أمس، بتوجيه ضربات مدروسة بعناية، مستهدفةً عدداً من المواقع القيادية الحساسة للعدو، حيث اعترف العدو بإصابة ضابط كبير بجروح خطيرة وجنديين بإصابات متوسطة وخفيفة. فيما بادر العدو إلى تنفيذ عملية أمنية تشكل ارتقاءً من جانبه في المواجهة مع حزب الله، فأغارت مُسيّرة مسلّحة للعدو على سيارة وسط مدينة النبطية، مستهدفة عناصر من المقاومة. وقد شكّلت العملية توسّعاً جديداً على صعيد العمق من ناحية الاستهداف، ولو أن الهدف يمتد ليكون جزءاً من المواجهة القائمة. ودفع ذلك بالمقاومة إلى الرد مساء بتوجيه صواريخ إلى مواقع حدودية، واستهداف قاعدة «ميرون» الجوية.وفي ظل هذا المناخ العسكري المعقّد، تواصلت المساعي الدبلوماسية والدولية للوصول إلى اتفاق هدفه منع تصعيد المواجهة القائمة بين المقاومة والعدو عند الحدود. حيث تسود الأوساط السياسية مناخات غامضة بسبب ارتباط مصير الجبهة الجنوبية بما يجري الآن في غزة. وحيث يُعتقد على نطاق واسع بأن حصول هدنة مستدامة في القطاع سيسهل التوصل إلى حل سياسي في لبنان، وإلا فإن الأمور تكون مفتوحة أمام تصعيد كبير.
وعلمت "الأخبار" أن المفاوضات التي يقودها الأميركيون، يساهم فيها الجانب الفرنسي بدور خاص، نظراً إلى كونه الطرف الغربي الذي لديه قنوات اتصال مباشرة مع حزب الله. وقد باشر الجانبان الأميركي والفرنسي جولة من المفاوضات الجديدة على خط بيروت وتل أبيب، ولكنّ المعلومات تشير إلى وجود صعوبات كبيرة، سيّما أن المقاومة أكّدت خلال الساعات الـ24 الماضية لأطراف محلية ولوسطاء خارجيين، أن "لا تفاوض ولا حل ولا اتفاق قبل وقف إطلاق النار في غزة".
وفي هذا الإطار، وبعد الزيارة البروتوكولية لوزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه لبيروت قبل أيام، وصل إلى بيروت أول من أمس وفد فرنسي ضمّ كلاً من المدير العام للشؤون السياسية في وزارة الخارجية فريدريك موندوليني، المدير العام للعلاقات الدولية والإستراتيجية في وزارة الدفاع أليس ريفو، نائب مدير شمال أفريقيا والشرق الأوسط في وزارة الخارجية إيمانويل سوكه، إضافة إلى مسؤولين من الاستخبارات الخارجية الفرنسية. والتقى الوفد رئيسَي مجلس النواب والحكومة نبيه بري ونجيب ميقاتي إضافة إلى وزير الخارجية عبدالله بو حبيب، بمشاركة السفير الفرنسي في بيروت هيرفي ماغرو.
وأكّدت مصادر مطّلعة أن "الوفد لم يلتق مسؤولين في حزب الله وأن الزيارة قد لا تشمل لقاءات معه"، وقالت إن "المقاومة سبَق أن قالت كلمتها في هذا الشأن، ولا مجال للنقاش في أي نقطة ما دامت الحرب مفتوحة في غزة"، وبالتالي فإن هذا الجواب تنقله القنوات الرسمية في لبنان إلى الموفدين. وعلمت "الأخبار" من مطّلعين على أجواء الاجتماعات أن "الوفد الفرنسي ناقش تفاصيل المقترحات التقنية الخاصة بحلّ خاص في الجنوب، لا يبقي الجبهة فيه مفتوحة ربطاً بغزة، وأن الفرنسيين حملوا أفكاراً بعدما حصلوا على أجوبة إسرائيلية تتعلق بكيفية إدارة المنطقة الحدودية". وقال مسؤول لبناني رفيع لـ"الأخبار" إن الوفد الفرنسي حمل "مشروع اتفاق أمني يتطلب تراجع المقاومة إلى الخلف، بما يسمح بعودة المستوطنين إلى الشمال في إسرائيل" وكرّر من جهة ثانية "أن في إسرائيل من يفكر جدياً بشن حرب على لبنان في حال تعذّر الحل السياسي قريباً".
حزب الله يرفض أي نقاش بأي افكار قبل إنهاء العدوان على قطاع غزة


وتحدثت المصادر عن أن الفرنسيين يعرضون "خطوات يُمكن أن تؤدي إلى خفض التصعيد وصولاً إلى وقف العمليات في الجبهة الجنوبية باعتبار أن هذه الخطوات من شأنها أن تؤدي إلى تطبيق القرار 1701، من بينها تراجع جزئي يحصل على جانبَي الحدود، مثل أن يتراجع حزب الله مسافة تراوح بين 8 و10 كيلومترات من الحدود مقابل سحب إسرائيل بعض من قواتها المنتشرة على الحدود إلى عمق مشابه".
وبحسب معلومات "الأخبار"، فإن الوفد سمع من ميقاتي وبوحبيب تكراراً للموقف القائل بأن لبنان ليس في وارد القيام بأي خطوة تمسّ سيادته، وكذلك أبلغ بري الوفد ما يمكن اعتباره "جواباً" يمثل وجهة نظر المقاومة، وفيه، أن لا حاجة إلى افتعال مناقشات جانبية أو العمل على أفكار جديدة، وأنه في ظل وجود القرار 1701، فلا حاجة إلى مقترحات جديدة. وقال بري للوفد الفرنسي إن "لبنان لا يريد الحرب وإن الحل الوحيد يكمن في الذهاب مباشرة إلى تنفيذ القرار الدولي 1701 وإلزام إسرائيل به".