غزة | نفّذ جيش الاحتلال، أمس، جانباً من التهديدات التي أطلقها رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بحق مدينة رفح، بعملية إجرامية انتهت بمجزرة راح ضحيتها 164 شهيداً فلسطينياً، باسم تحرير أسيرين يحملان الجنسيتين الإسرائيلية والأرجنتينية. وهذان كانا محتجزيْن في أحد مباني المدينة فوق الأرض، في منزل أخلاه سكانه قبل شهرين، إثر تحذيرات من جيش العدو بقصفه، ولم يكونا مؤمّنين من قبل جهات محترفة تتبع لفصائل المقاومة الكبرى، كما لم تخض قوات الاحتلال أي اشتباك مع آسريهما.ففي تمام الساعة الواحدة من ليل الأحد - الإثنين، شنّت كل الوسائط النارية، من الطائرات الحربية والزوارق البحرية والطائرات المروحية، هجوماً متزامناً، طاول 24 منزلاً مأهولاً بالسكان، بالإضافة إلى ستة مساجد، والمئات من خيام النازحين في أحياء تل السلطان والشابورة، والمناطق الغربية والشرقية من المدينة.
وتزامنت العشرات من الغارات الكثيفة، مع غطاء ناري مهول، قال المتحدث باسم جيش الاحتلال، دانيال هاغاري، إن هدفه كان تأمين قوة خاصة استطاعت التسلّل إلى حي تل السلطان وسط المدينة، وتمكنت من تحرير الأسيرين فرناندو سيمون مارمان (60 عاماً)، ولويس هار (70 عاماً)، اللذين كانا محتجزيْن في الطابق الثاني من أحد المباني. وتسبّبت ساعات القصف العنيف، الذي أخذ طابع الأحزمة النارية، باستشهاد 164 مواطناً ونازحاً، 80 منهم من النساء والأطفال. ووسط تلك الحالة التي شبّهها سكان المدينة بـ«يوم القيامة»، اندفع مئات الآلاف من النازحين إلى الشوارع، وهم لا يمتلكون خيارات للهروب والنزوح، ولا سيما أن رفح التي تستضيف أكثر من مليون و400 ألف من النازحين، أضحت الملاذ الأخير، بعدما وسّع جيش العدو من عملياته في محافظة خانيونس المحاذية لها.
في ساعات الليل الحالك تلك، غرقت شوارع المدينة بالمئات من المصابين، وسط عجز مستشفى «أبو يوسف النجار»، وهو المركز الصحي الوحيد في المدينة، الذي لم يكن مؤهّلاً حتى قبل الحرب، لاستقبال الحجم الطبيعي من المرضى، عن استقبال المئات من المصابين والشهداء الذين نُقلوا إلى أقسامه في وقت واحد. وأكّد مدير المستشفى، في تصريح، أن أقسام الاستقبال والطوارئ استقبلت خلال ساعة واحدة، ستة أضعاف ما تستطيع استيعابه من المرضى والجرحى. أما مدير «المستشفى الكويتي الميداني»، فقال، في تصريح مماثل، إن كل مستشفيات المدينة تحوّلت إلى مقابر، إذ لم تستطع الطواقم الصحية التعاطي مع حجم الإصابات والضحايا الكبير.
الأسيران لم يكونا مؤمّنيْن من جهات محترفة، وبعض التشكيلات الصغيرة وضعت أسرى في منازل مدنية، من دون بروتوكول حماية


ويقول مصدر طبي في المدينة، لـ«الأخبار»، إن «رفح أساساً كانت بحاجة إلى مستشفى. وأطلق الأهالي خلال السنوات الماضية حملات شعبية وإلكترونية لمطالبة الحكومة بالمسارعة إلى توفير مرفق طبي يؤمّن الخدمة لأكثر من 150 ألفاً من الأهالي، لأنهم يضطرون لقطع مسافات طويلة، للعلاج في مجمع ناصر الطبي في مدينة خانيونس، أو في مستشفى الشفاء غربي مدينة غزة». ويضيف المصدر: «عقب التوغل الإسرائيلي في خانيونس، نُقل المئات من الجرحى إلى مستشفى أبو يوسف النجار، الفقير بالأسرّة والكوادر الطبية، ما أدى إلى إشغاله تماماً. وعليه، استقبلنا جرائم العدو في رفح، بإمكانات مستهلكة وطاقة استيعابية صفرية».
على الصعيد الدولي، وبالإضافة إلى كل التصريحات والتهديدات التي أطلقتها الدول الإقليمية، من مثل مصر والأردن، فضلاً عن موقف الإدارة الأميركية المعلن، الذي يعارض شن عملية عسكرية في رفح، دانت منظمات دولية، من مثل «العفو الدولية» و«أطباء بلا حدود» و«التنمية البلجيكية» العدوان الإسرائيلي على المدينة. أما إعلام العدو، فقد احتفى بـ«نجاح عملية تحرير الأسيرين التي أطلق عليها اليد الذهبية». على أن ذلك «النجاح»، لم يلقَ في أوساط المراسلين العسكريين الإسرائيليين، الحفاوة نفسها التي عاشها قادة جيش الاحتلال والقادة السياسيون مثل نتنياهو ووزير حربه، يوآف غالانت، إذ أكدت قناة «كان» الإسرائيلية الناطقة بالعربية، في نشرة أخبار السابعة صباحاً، أن «المعطيات التي رافقت عملية تحرير الرهينتين في رفح، لن تكون متوفّرة مرة أخرى، حيث اعتمد الجيش على تكتيك الصدمة والمفاجأة، وهاجم منزلاً في وسط حي بعيد عن مركز العمليات. وستكون الأذرع العسكرية للفصائل في وقت لاحق، قد أعدّت نفسها جيداً لكل الاحتمالات، إلى الحد الذي لا يسمح باستعادة أسرى على قيد الحياة».
أما الصحافي أحمد دراوشة، وهو مراسل قناة «العربي» في الداخل المحتل، فأكد نقلاً عن مصادر مطّلعة، أن الأسيرين اللذين جرى تحريرهما من مدينة رفح، لم يكونا معتقلين لدى «كتائب القسام»، الذراع العسكرية لحركة «حماس»، وأن جيش العدو لم يخض اشتباكاً مع قوة الحماية الآسرة كما زعم، إنما اعتمد على معلومات استخبارية عن مكان وجودهما، واستطاع الخروج بهما تحت غطاء ناري كبير، من دون خوض أي اشتباكات مع الآسرين. وفي هذا السياق، تؤكد مصادر في المقاومة، تحدثت معها «الأخبار»، أن «لا معلومات دقيقة عن عدد المستوطنين الأسرى في غزة، ولا سيما أن تشكيلات عدة صغيرة تمكّنت من اقتياد العشرات من المستوطنين من كبار السن، ووضعهم في منازل مدنية، من دون أي بروتوكول حماية». ويضيف المصدر: «على كل الأحوال، المقاومة وضعت هامشاً لا يتجاوز الـ10% لقدرة العدو على الوصول إلى بعض الأسرى، خصوصاً من أولئك الذين لم يتم تأمينهم لدى جهات محترفة».