لا تكفّ واشنطن عن المراوغة وممارسة الألاعيب، حتى يكاد يمكن القول إن السِّمة التي لازمت الأداء الدبلوماسي الأميركي طوال هذه الحرب، هي الخداع، وإن بشكل فاقع ومفضوح. وخلال الأسبوعين الماضيين، لم تترك الخارجية الأميركية، وموفدو الرئيس جو بايدن الخاصّون، جهة أو دولة في المنطقة والعالم، إلا أبلغوها بأن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة اقتربت من نهايتها، وأن الولايات المتحدة ترعى مفاوضات شاقّة بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية، وستصل إلى نتائج إيجابية خلال وقت قصير. وقبل ذلك، عمدت واشنطن إلى اتخاذ كامل الإجراءات العسكرية والسياسية، الترهيبية والترغيبية، لمنع انفلاش الحرب في المنطقة، وسعت بلا كلل من أجل الحيلولة دون تفعيل جبهات المساندة، في لبنان واليمن والعراق. وإذ فشلت في وأد هذه الجبهات، فهي استمرت في التعامل معها بحذر، باعثةً برسائل في كل الاتجاهات، مفادها أنها تريد إنهاء الحرب، وهي تمارس ضغوطاً على إسرائيل في هذا الاتجاه. إلا أن الحقيقة هي أن واشنطن تريد إدارة الحرب بطريقة تحقّق لها ولتل أبيب إنجازاً سياسياً حقيقياً، وإنجازات أمنية غير بسيطة، وتحدّ من الضرر الذي أصاب الأمن القومي الأميركي والإسرائيلي.وبعد أن أعلنت الولايات المتحدة، خلال الأيام الماضية، رفضها الكامل لعملية عسكرية إسرائيلية في رفح جنوبي قطاع غزة، عادت لـ«تقبل» بتلك العملية، وإن بـ«شروط» تتعلّق بتقليص عدد الضحايا من المدنيين. والظاهر أن الولايات المتحدة لا ترى في مقتل عشرات المدنيين، فجر أمس، خلال عملية «محدودة» في رفح، ما يدفعها إلى التشدّد في شروطها المزعومة، إذ قال منسّق الشؤون الاستراتيجية في «البيت الأبيض»، جون كيربي، إنه «لا يمكنه تأكيد مقتل مدنيين في رفح»، بحسب تصريحاته مساء أمس، مضيفاً أن حكومته «لا تدعم وقفاً عاماً لإطلاق النار في غزة في الوقت الحالي»، معرباً عن «سعادتنا لنجاح الجيش الإسرائيلي في إطلاق سراح إسرائيليين في رفح». ورغم أن بايدن، بحسب ما تُظهره التقارير والتسريبات الإعلامية، ضاق ذرعاً برئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، إلا أنه لم يتّخذ بعد قراراً بممارسة ضغوط جدّية على إسرائيل لدفعها إلى تغيير موقفها وأدائها. ونقلت شبكة «إن بي سي» الأميركية، عن مصادر مطّلعة، قولها إن «بايدن وصف نتنياهو بأنه العائق الرئيسي أمام محاولات إقناع إسرائيل بوقف إطلاق النار»، واعتبر أن «التعامل معه أصبح مستحيلاً». ويرى بايدن أن «نتنياهو يريد استمرار الحرب حتى يتمكّن من البقاء في السلطة»، لكنه «لا يزال يعتقد أن نهجه المتمثّل في دعم إسرائيل بشكل لا لُبس فيه هو النهج الصحيح».
وعلى الطريقة الأميركية نفسها، تدفع واشنطن إلى تحقيق اختراق في المفاوضات خلال الأيام القليلة المقبلة، وبشكل خاص خلال الاجتماع الذي سيُعقد اليوم في القاهرة، وسيجمع إلى جانب رئيس الاستخبارات الأميركية، رئيسَي «الموساد» و«الشاباك» ومسؤولين إسرائيليين آخرين في ملف الأسرى، إضافة إلى رئيس الوزراء القطري ورئيس الاستخبارات المصرية. وهذا الفريق، هو نفسه الذي توصّل إلى ما عُرف بـ«اتفاق الإطار» التفاوضي في باريس قبل أسابيع. ونقلت وكالة «أسوشييتد برس»، عن مسؤول أميركي رفيع، قوله إن «إمكانية التوصّل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار هيمنت على مكالمة بايدن ونتنياهو الأخيرة»، وإن «اتفاق الإطار جاهز إلى حد كبير للتوصّل إلى صفقة تبادل ووقف القتال، لكن هناك فجوات».
أبلغ المصريّون حركة «حماس»، «رفضهم التامّ والقاطع» لأي عملية عسكرية برية للجيش الإسرائيلي في رفح


من جهة أخرى، وفي مباحثات مع المصريين حول الصفقة، طلب الأخيرون من وفد حركة «حماس» العودة إلى القاهرة، «لأنه سيكون هنالك جديد بعد الاجتماع الأميركي - المصري - القطري - الإسرائيلي»، بحسب مصادر مطّلعة تحدثت إلى «الأخبار». وبحسب المصادر، فإن «‏الحركة ردّت بإيجابية، وقالت إنها سترسل وفداً». وبحسب معلومات متداولة، فإن «الوفد الإسرائيلي المفاوض وصل مساء أمس إلى القاهرة»، كما وصل مندوبون عن رئيس الاستخبارات الأميركية، وليام بيرنز، تمهيداً لاجتماع اليوم. وفي السياق نفسه، قال القيادي في حركة «حماس»، أسامة حمدان، إنه «خلال لقاء وفد الحركة في القاهرة، تمّت مناقشة ردّنا على مقترحات باريس»، لكن «ما عرضه الاحتلال من معادلات لتبادل الأسرى يؤكّد أنه غير جاد»، في إشارة إلى عدم قبول العدو إلا بإطلاق 3 أسرى فلسطينيين، مقابل كل أسير إسرائيلي في المرحلة الأولى من الصفقة. وأضاف حمدان أن «الحركة اطّلعت أمس على ردّ الاحتلال بشأن مقترح باريس»، واصفاً إياه بأنه «تراجع عن مقترح باريس، ويضع عقبات لا تساعد في إبرام اتفاق».
وبخصوص العملية العسكرية في رفح، «أبلغ المصريّون حركة «حماس»، رفضهم التامّ والقاطع لأي عملية عسكرية برية للجيش الإسرائيلي في رفح»، مضيفين «أنهم لن يسمحوا مهما كان الثمن بأن يتوجّه اللاجئون إلى الأراضي المصرية»، بحسب المصادر المطّلعة نفسها. لكن، تقرّ هذه المصادر بأن «‏المصريّين اقترحوا على الإسرائيليين توجيه الناس إلى المنطقة الوسطى في غزة، وخاصة دير البلح وإعلانها منطقة آمنة»، ما يُظهر تناقضاً وتخبّطاً في الموقف المصري. وفي السياق نفسه، نقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» عن مصادر مطّلعة أن «تل أبيب تقترح إنشاء مخيمات جنوب غرب غزة كجزء من خطة لإجلاء سكان رفح قبل اجتياح الجيش للمنطقة». وأضافت الصحيفة أن «المقترح الذي قدّمته إسرائيل إلى مصر، يتضمّن إنشاء 15 مخيماً يضمّ كل منها 25 ألف خيمة، تكون مصر مسؤولة عن إقامتها، إلى جانب مستشفيات ميدانية بتمويل من أميركا ودول أخرى».