في خطوة تتّسق والسياسة السورية الهادفة إلى إخراج الملف الإنساني عن طاولة المفاوضات والضغوط السياسية، سمحت دمشق للأمم المتحدة بالاستمرار في تمرير المساعدات الإنسانية عبر معبرَي «باب السلامة» و«الراعي» الحدوديَّين مع تركيا في ريف حلب الشمالي، لثلاثة أشهر إضافية، ضمن تجديد هو الرابع من نوعه لرخصة تسمح باستعمال المعبرَين بعد وقوع كارثة الزلزال في شباط من العام الماضي. وأعلن مندوب سوريا الدائم لدى الأمم المتحدة، قصي الضحاك، عبر تغريدة على منصة «X»، موافقة الحكومة السورية على هذا التمديد الذي ينتهي في الـ 13 من شهر أيار المقبل، مؤكداً أن «دمشق ستواصل تعاونها الوثيق مع الأمم المتحدة وجميع الشركاء لتحسين الوضع المعيشي والإنساني لجميع السوريين في جميع أنحاء أراضيها، وزيادة مشاريع الإنعاش المبكر، وإعادة تأهيل البنية التحتية المتضررة، واستعادة الخدمات الحيوية». وتأتي الرخصة الجديدة بعد أقل من شهر على رخصة مماثلة، تمتد لستة أشهر، منحتها دمشق للمنظمات الأممية لإدخال المساعدات عبر معبر «باب الهوى» الحدودي مع تركيا في إدلب، الأمر الذي يمثّل استكمالاً للسياسة التي اتبعتها سوريا حيال الملف الإنساني بعد كارثة الزلزال. وكان هذا الملف قد أثار جدلاً وصراعاً في أروقة مجلس الأمن، إثر محاولات أميركية متكررة لتسييسه، ورفض المشروع الروسي الذي ربطه بمشاريع «الإنعاش المبكر»، التي تهدف إلى ترميم ما يمكن ترميمه من البنى التحتية التي دمرتها الحرب، تمهيداً لفتح الباب أمام عودة اللاجئين السوريين من دول الجوار. لكن هذه العودة هي تحديداً ما تقاتل الولايات المتحدة، على الصعيد السياسي، من أجل منع حدوثه، لما يمثله ملف اللاجئين من ورقة ضغط سياسية فعّالة.
وتزامنت الرخصة السورية الجديدة مع إعلان «برنامج الأغذية العالمي» استعادة بعض نشاطاته التي قام بتوقيفها على خلفية عجز التمويل، في ظل التخفيض المستمر من الدول المانحة، وعلى رأسها الولايات المتحدة وحلفاؤها في الاتحاد الأوروبي، المشغولون بالحرب في أوكرانيا، وبمساعدة إسرائيل في حرب الإبادة التي تشنها على الفلسطينيين في غزة. إذ أعلن «البرنامج» عن تمويل بمقدار مليار دولار (كان في البداية ملياراً ونصف مليار)، لتمويل مشاريع دعم للأشخاص الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي الشديد، على مدار عامين، علماً أن تقديرات أممية تفيد بأن نحو 55% من السكان في سوريا، أي 12.9 مليون شخص، يعانون من انعدام الأمن الغذائي، منهم 3.1 ملايين يعانون منه بشدة. ويعني ذلك أن هذه المساعدات تمثل جزءاً يسيراً من حجم المساعدات الفعلية التي تحتاج إليها الأسر السورية، وخصوصاً تلك التي تعيش في مخيمات النزوح قرب الشريط الحدودي مع تركيا، والتي تضررت بشكل كبير بعد وقوع الزلزال، ووجدت نفسها شبه محاصرة في ظل تشديد تركيا حراسة حدودها، واستخدامها القوة ضد كل من يحاول عبورها، فضلاً عن إغلاق جميع المعابر الإنسانية بين مناطق سيطرة الحكومة السورية ومناطق نفوذ «هيئة تحرير الشام» (فرع تنظيم القاعدة السابق في سوريا) التي تسيطر على إدلب، والفصائل المنتشرة في ريف حلب.
تزامنت الرخصة السورية الجديدة مع إعلان «برنامج الأغذية العالمي» استعادة بعض نشاطاته


ومنذ وقوع الزلزال، وما رافقه من تأخر ملحوظ في تقديم المساعدات اللازمة للمتضررين، في ظل وقف نشاطات المعابر مع تركيا لمدة أسبوع تقريباً حينها، ورفض «هيئة تحرير الشام» إدخال مساعدات عاجلة أرسلتها الحكومة السورية، وصل عدد الشاحنات التي دخلت إلى الشمال والشمال الغربي من البلاد إلى 5 آلاف فقط، وفق المتحدث باسم الأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، الذي قدّر عدد المستفيدين من المساعدات والخدمات الأممية في شمال غرب البلاد بنحو 2.5 مليون شخص، علماً أن القسم الأكبر من المواد الإغاثية دخل عبر معبر «باب الهوى». وبلغ عدد الشاحنات التي دخلت من معبرَي «باب السلامة» و«الراعي» منذ شباط من العام الماضي حتى التفويض الأخير (بين 13 تشرين الثاني و13 شباط الحالي) 1084 فقط، شهدت تخفيضاً كبيراً خلال الأشهر الثلاثة الماضية وصل معه عددها إلى 99: 94 دخلت من معبر باب السلامة، و5 شاحنات من معبر «الراعي».