غزة | في صندوق زجاجي ظلّ متماسكاً رغم القصف، تمكث الرضيعة هنادي أبو عمشة في «مستشفى شهداء الأقصى» في دير البلح وسط قطاع غزة، بعدما تمكّنت ممرضة من إنقاذها من بطن أمها التي وصلت إلى «مستشفى العودة» في مخيم النصيرات وسط القطاع أيضاً، في حالة ميؤوس منها إثر إصابتها بشظايا صاروخ استهدف منزلها. هناك، في قسم الخدّج في المستشفى المذكور، حيث يعلو رنين الأجهزة الطبية وصراخ الرُضّع، جالت «الأخبار»، والتقت بالممرضة آلاء حجاج التي كانت تُعدّ قارورة الحليب المصنّع الخاصة بهنادي، محاولةً إشباع جوعها، فيما الصغيرة تبحلق بعيونها السوداء في كلّ اتجاه، وكأنها تبحث عن أمها التي فقدتها في خضمّ هذه الولادة الرهيبة. إلى جانب هنادي، يرقد في الحضانة العشرات من الرضّع والخدّج الذين يحتاجون إلى رعاية صحية أولية لإبقائهم على قيد الحياة. تقول الممرضة حجاج: «نقدم الرعاية الأولية والصحية لأكثر من 30 من الخدّج والرضّع لأسابيع عدة، لكن حالة الرضيعة هنادي كانت مؤثرة جداً». تروي آلاء واقعة انتشال هنادي من رحم أمها: «كنت في الدوام في مستشفى العودة في مخيم النصيرات وسط القطاع، وفي منتصف الليل وصلت حالة صعبة جداً: سيدة حامل مصابة بشظايا صاروخ إسرائيلي في جميع أنحاء جسدها». وتضيف: «كانت الدماء تنهمر من جسد السيدة التي علمتُ في ما بعد أن اسمها هنادي. كانت تتنفس بصعوبة متفاقمة، وعندما وقعت عيني على رأسها وجدت أن دماغها قد تمزق بالكامل نتيجة الشظايا». وتتابع أن «المشهد الأكثر صعوبة كان الجنين الذي خرج من رحمها والذي كان يصرخ بشدة». حينذاك، حملت حجاج الوليدة ونقلتها إلى الحضانة سريعاً - بينما كانت الأم، التي عُلم أنها من عائلة أبو عمشة، تسلم روحها -، قبل أن تنتقل بها إلى حضانة «مستشفى شهداء الأقصى»، حيث مكثت لمدة شهر تقريباً من دون أن يتعرف إليها أحد من عائلتها، ما اضطر إدارة القسم، وفقاً للممرضة، إلى تسميتها باسم والدتها الشهيدة.
20 ألف طفل ولدوا في غزة منذ 7 أكتوبر، والعديد من الأجنّة ماتوا في أرحام أمهاتهم اللواتي استُشهدن


في زاوية أخرى من القسم، تجلس فاطمة أبو نصير على سرير، وعلى ذراعها رضيعة أخرى احمرَّ جلدها ووجهها من شدّة البكاء. تحاول فاطمة، التي تعاون الممرضات على رعاية الرضيعة كونها خالتها وآخر من تبقى لها من عائلتها، التخفيف قدر المستطاع من بكائها، لكن من دون نتيجة. فقدت الطفلة حور أبو نصير والديها وشقيقتها ليان وشقيقيها زيد وعز، فيما نجت وحدها بأعجوبة من القصف الإسرائيلي الذي استهدف منزلهم في مدينة دير البلح وسط القطاع. تقول فاطمة إن حور التي لا يتجاوز عمرها الأشهر، تعاني إصابات عدة: «بُتِرت ذراعها الأيسر، فيما تستقر في الأيمن جروح عميقة. كما بُتِر إصبعان من قدميها». وتضيف أن «الأطباء قاموا بتغريز رأسها عدة مرات نتيجة الجروح العميقة»، لكن «منذ اللحظة الأولى، فقدنا الأمل في أن تعيش كباقي الأطفال».
تواجه فاطمة «معاناة شديدة» عندما تشعر حور بالجوع، كون الرضيعة لم تتقبل بعد الحليب الصناعي. وحول ذلك، تقول: «أشعر بالعجز والأسى والحزن الشديد عندما تبكي الطفلة من دون القدرة على إشباع جوعها»، مضيفة أنه «كلما بكت حور كنت أتبعها بالبكاء وأدعو الله تعالى أن يخفف عنها. وأقصى ما أتمناه بأن تسافر لتلقّي العلاج اللازم، وخاصة تركيب طرف صناعي، وعلاج يدها الأخرى لتستطيع أن تلهو بالألعاب، على غرار سواها من أطفال العالم». والجدير ذكره، هنا، أنه حتى الحليب الصناعي لا يتوافر للكثيرين من رضّع غزة الذين باتوا يموتون جوعاً بعد استشهاد أمهاتهم. كما أن «منظّمة الأمم المتحدة للطفولة» (اليونيسيف) كانت أعلنت أن 20 ألف طفل ولدوا في غزة منذ 7 أكتوبر، بينهم العديد بعمليات قيصرية من دون تخدير، بينما لم تُكتب الولادة للعديد من الأجنّة الذين ماتوا في أرحام أمهاتهم اللواتي استُشهدن.