لم تمرّ ذكرى اغتيال الرئيس رفيق الحريري (14 شباط/ فبراير) على هدوء كما كانت الحال في العامَين السابقَين، ولو أنّ القنوات اللبنانية لم تقلّل من شأنها يوماً. لكنّ هذه المرّة كانت أكثر ضجّة بسبب عودة الرئيس سعد الحريري الأكثر صخباً والاستقبالات الجماهيرية له، رغم التصعيد في الجنوب اللبناني وتزامن الاحتفال بالذكرى مع عدوان إسرائيلي جديد كان أطفال من بين قافلة شهدائه. التركيز على عودة الحريري والأخبار عنه وعن «تيّار المستقبل» كان قد بدأ قبل يوم من الذكرى. لكنّ ذلك لم يمنع القنوات من نقل أخبار الجرائم الصهيونية بطريقة بدت متساوية. من جهة، كان النقل المباشر على معظم القنوات مخصّصاً للاحتفال بالذكرى في مقابل صفر نقل للأحداث في الجنوب، ومن جهة أخرى طغت الأخيرة على عناوين نشرات الأخبار المسائية وغطّت بداياتها.
خصّصت «الجديد» مساحةً كبيرة لذكرى اغتيال رفيق الحريري

من القنوات التي بدأت بأخبار التصعيد كانت بالطبع «المنار» التي تفتح النقل المباشر كلّ يوم أساساً، وNBN و«تلفزيون لبنان»، إضافة إلى OTV وLBCI. لكنّ أيّاً منها لم يتجاهل ذكرى الحريري. الأمر كان مشابهاً عند «الجديد»، لكنّها بدأت مقدّمتها مساء الأربعاء بالكلام عن الحريري، وكانت أكثر من أعطى مساحةً للاحتفال، مفردةً تقارير عديدة للذكرى، هي التي كانت بدأت بنقل أخبار سعد الحريري وتحرّكاته منذ الأيّام التي سبقت، إضافة إلى الاستماع إلى آراء شخصيّات مختلفة من تيّاره. ولم يمرّ «عيد الحبّ» على «الجديد» مرور الكرام. على ضفّة LBCI، كان لافتاً التركيز على أحداث الجنوب بشكل كبير في نشرة أخبارها مساء الأربعاء، فكانت لهجتها حادّة تجاه استشهاد مدنيّين ومقاومين لبنانيّين رغم اعتبارها أنّ العدوّ «يردّ»، وبثّت تقارير بما في ذلك واحد يشرح بالتفصيل كيفية استخدام العدوّ للهواتف الذكية لتحديد مكان حامله ومحيطه بدقّة بعد يوم من تحذير السيّد حسن نصرالله من هذه الهواتف، وآخر يفنّد ادّعاءً لقوّات الاحتلال بأنّها حصلت على مقطع لقائد حركة «حماس» في غزّة يحيى السنوار مع عائلته في أحد الأنفاق.
وحدها mtv غرّدت خارج السراب من حيث ترتيب الأخبار، فكانت ذكرى اغتيال الحريري الأولوية بالنسبة إليها. بدأت مقدّمتها مساء الأربعاء كما يلي: «في وسط بيروت عرض لقوّة شعبية وفي الجنوب عرض لقوّة عسكرية». وأكملت عن الحريري قبل أن تصل إلى القسم الثاني من المقدّمة بقول «إسرائيل تواصل توسيع نطاق غاراتها ردّاً على الصواريخ التي توجّه نحو مستوطناتها»! وواصلت التهويل عبر نقل تصريحات وزير في «مجلس الحرب» بيني غانتس الإسرائيلي بأنّ «الدولة اللبنانية تتحمّل مع «حزب الله» مسؤولية إطلاق الصواريخ نحو إسرائيل». وأضافت القناة أنّ غانتس «توعّد بأنّ الردّ باتّجاه لبنان سيأتي قريباً وبقوّة».
خُصِّص النقل المباشر لذكرى الحريري فيما طغت التطوّرات في الجنوب على نشرات الأخبار المسائية

وكعادتها، لم تنسَ القناة استغلال ذكرى اغتيال الحريري لتمرير الرسائل السياسية، وهو ما لم يفعله أيّ من القنوات الأخرى على اختلاف تلاوينها ومواقفها. خصّصت mtv لذلك تقريراً كاملاً حمل عنوان «إلى أين وصل حكم المحكمة الدولية في جريمة اغتيال الحريري؟». في التقرير، استضافت القناة رئيس مجلس شورى الدولة السابق القاضي شكري صادر الذي تناول تقريراً لمحكمة الاستئناف تحدّث عن «شبكة متكاملة مختبئة»، فسألته معدّة التقرير ماريان زوين عما إذا «كانت مختبئة في الضاحية»، ليردّ بطريقة ساخرة «لا عنّا ببسوس» (قرية في قضاء عاليه)، ويضيف بأنّ «حزب الله يستقوي بسلاحه»، وعلى اللبنانيّين أن يعرفوا أنّ «هذه الفئة ارتكبت جريمة إرهابية». وخلصت معدّة التقرير إلى أنّ الدولة اللبنانية تخلّفت عن تطبيق قرار «المحكمة الدولية»، مستغلّة تصريحات سابقة للرئيس سعد الحريري لدعم أقوالها. لكنّ القناة عادت وبثّت تقريراً يعقّب على ما تحدّث عنه السيّد نصرالله عن الهواتف الخلوية، تحت عنوان «بصمة الوجه سلاح تستخدمه إسرائيل في عمليّات الاستهداف»، وشرحت كيف يستخدم العدوّ الذكاء الاصطناعي لمعرفة بصمة الوجه واستهداف الأفراد، ذاكرةً أنّه فشل في المرّات الثلاث الأخيرة. أمّا الكرزة على قالب الحلوى، فكانت تقريران «ملغومَان» عن عيد الحبّ! معروف أنّ «التخبيص» من سمة القنوات اللبنانية، لكن بعد مشهد يوم الأربعاء، يمكن رفع القبّعة إلى كلّ القنوات الأخرى باستثناء mtv التي اقترفت مستويات جديدة من «التخبيص» بالجملة!