وبعدما ظلّت اقتحامات المستوطنين لكفل حارس مضبوطة - إلى حدّ ما - منذ ثمانينيات القرن الماضي، فهي اليوم تتّخذ أبعاداً أخطر، من حيث العدد المرتفع للمقتحمين، وتعالي الدعوات إلى السيطرة على البلدة وتحويلها إلى بؤر استيطانية أو كنس يهودية، وهو ما يتضح في العبارات العنصرية المعادية للفلسطينيين، والتي يخطّها المستوطنون باللغة العبرية على جدران المقامات. كما أن أهالي البلدة يفيدون بأن «المستوطنين يقومون بأعمال تنقيب في المنطقة، وقاموا بسرقة حجر زيتي واحد على الأقل، نُقشت عليه كتابة عربية»، فضلاً عن «الدمار والتخريب الذي يمارسونه، من رشق للحجارة على المنازل والمركبات وتكسير لها، وتدمير لشواهد الأضرحة، والتوسع الاستيطاني، ووضع حواجز عسكرية ونقاط على مداخل كفل حارس، بين حين وآخر».
تتعالى الدعوات الإسرائيلية إلى السيطرة على البلدة وتحويلها إلى بؤر استيطانية أو كنيس يهودي
والواقع أن حال كفل حارس لا يختلف كثيراً عن حال بلدات ومدن أخرى من بينها مدينة رام الله، التي اتخذت منها السلطة مقراً لها منذ تأسيسها، وباتت مستباحة ليل نهار. لا بل إن قوات الاحتلال تتعمّد اقتحام وسطها، المعروف باسم «دوار المنارة»، وكأنها تريد عبر ذلك إثبات أنها صاحبة السيطرة والقرار هناك. وهذا ما تكرر فجر أمس، حيث تفاجأ المواطنون بتواجد العديد من الآليات العسكرية في «الدوار»، وبقائها لأكثر من ساعة، وتدميرها محتويات مطبعتين وسط المدينة، ومخرطة في بلدة بيتونيا غرباً.
وعلى خطّ مواز، شنت قوات الاحتلال، ليل الأربعاء - الخميس، حملة اقتحامات واعتقالات في مناطق متفرقة من الضفة، تخللها اندلاع مواجهات مسلحة مع المقاومين، أبرزها في مدينة طولكرم على حاجز «نتساني عوز» غرباً. كما اندلعت مواجهات شمال المدينة، وبالقرب من ضاحية شويكة، حيث أطلق جيش العدو النار بشكل عشوائي صوب مركبات الأهالي. أيضاً، اعتقلت قوات الاحتلال الأسير المحرر الشيخ نظير نصار، من حركة «الجهاد الإسلامي»، بعد اقتحام منزله في بلدة علار شمال طولكرم. أما في قلقيلية، فاقتحمت عدة آليات عسكرية المدينة، وترجل جنود الاحتلال منها، وانتشروا في حي النقار، وفي الجهة الغربية، فيما استهدف مقاومون الحاجز الشمالي لقلقيلية بعبوات محلية الصنع. وفي نابلس، أطلق مقاومون النار تجاه قوات الاحتلال على الشارع الاستيطاني الممتدّ قرب زواتا شمال غرب المدينة، في عملية هي الثالثة في يومين في المنطقة نفسها، في حين استهدف آخرون القوات المقتحمة لمخيم العين في نابلس، بالأكواع المتفجرة محلية الصنع، وخاضوا اشتباكات مسلحة مع جيش العدو.
ويتزامن هذا التصعيد، الذي يندرج في إطار ما يسمّيه العدو «عمليات جز العشب»، مع استمرار التحذيرات الاستخباراتية الإسرائيلية من انفجار وشيك في الضفة، واحتمالية اندلاع انتفاضة ثالثة، خصوصاً مع اقتراب شهر رمضان، واستمرار الحرب على قطاع غزة، فضلاً عن التصعيد الكبير في المواجهة في شمال فلسطين المحتلة. ويبدو أن إسرائيل قد وجدت في تلك التقييمات، ذريعة جيدة من أجل توسيع عدوانها على الأراضي المحتلّة، بما لا يستثني السجون، حيث أعلن وزير «الأمن القومي»، إيتمار بن غفير، أول من أمس، نقل الأسير مروان البرغوثي، عضو اللجنة المركزية لحركة «فتح»، من سجن «عوفر» العسكري المقام على أراضي بلدة بيتونيا، إلى العزل الانفرادي في سجن آخر لم يُحدّد موقعه، فيما قالت «القناة 13» الإسرائيلية إن نقل البرغوثي يأتي خوفاً من «التصعيد»، بعد أن تلقّت مصلحة السجون معلومات تُفيد بأنه «يعمل على التحريض على انتفاضة ثالثة في الضفة».