غزة | تجاوز عدنان الفرا خطر الموت بغارات الطائرات أو رصاص القناصة في محيط منزله شرقي مدينة خانيونس جنوبي قطاع غزة، متمكّناً من الوصول إلى «مستشفى أبو يوسف النجار» بهدف غسل كليته. لكن المفاجأة أنه مكث يومين في طابور الانتظار، ما زاد في حالته الصحية سوءاً. على أن الاكتظاظ ليس المشكلة الوحيدة التي تواجه مرضى الفشل الكلوي في القطاع؛ إذ قررت وزارة الصحة تغيير البروتوكول الرسمي لغسل الكلى، بقصره على مرتين في الأسبوع لمدة ساعتين في كل منهما، بعدما كان ثلاث مرات في الأسبوع لمدة 4 ساعات في كل منها. ويضاف إلى ذلك، سوء التغذية الذي يعاني منه عموم الغزيين، ومن ضمنهم المرضى، في ظل حرب الإبادة المستمرة على القطاع. يقول الفرا، لـ«الأخبار»: «لقد رأيت الموت مرتين، وعشت لحظات مبكية ومؤلمة جداً: المرة الأولى من القصف والرصاص الإسرائيلي، أما الثانية، فعند تلقي خدمة غسل الكلى بشكل مخالف لبروتوكول الصحة العالمية، والذي لا يحمي المريض من انتكاسة مفاجئة قد تؤدي إلى فقدانه الحياة». وأمام تقدم آليات الاحتلال ودباباته في قلب خانيونس، نزح الفرا وعائلته إلى مدينة دير البلح، علّه يتلقى خدمة أفضل في «مستشفى شهداء الأقصى»، إلا أن المعضلة ذاتها اصطدم بها هناك: اكتظاظ المرضى وقلة الغذاء والدواء. وحول ذلك، يؤكد أن «ما يدخل إلى القطاع من مساعدات غذائية ليس صحياً، فيما المعلبات الموجودة قليلة جداً وأسعارها مرتفعة بشكل كبير، فضلاً عن عدم توافر الأدوية المناسبة لمساعدة مريض الفشل الكلوي على البقاء على قيد الحياة».
الاكتظاظ ليس المشكلة الوحيدة التي تواجه مرضى الفشل الكلوي في القطاع


والواقع أن أجهزة شفط الدماء وضخها في أجساد المرضى لا تتوقف عن الرنين في قسم مرضى الفشل الكلوي في «شهداء الأقصى»، حيث يتزاحم العشرات لتلقي العلاج اللازم، بينما يقف مثلهم خارج القسم في الطابور. في الجهة المقابلة للفرا، يجلس المسن عبد المجيد عيسى على الكرسي بعينين دامعتين، بينما يده اليمنى موصولة بأنبوبة الدماء، واليسرى يُمسك بها الممرض لقياس ضغطه. يقول عيسى لـ«الأخبار»: «أصبتُ بالفشل الكلوي منذ خمس سنوات، ووجدت معاناة فظيعة فوق العادة لم أتمكّن من تحملها»، مشيراً إلى أن «مريض الفشل الكلوي عليه أن يلتصق بالمستشفى مهما كانت الظروف، سواء في السلم أو الحرب، وإلا سيكون مصيره الموت». ويروي طريقة خروجه من منزله في مخيم المغازي، قائلاً: «خرجتُ من المنزل مبكراً على عربة يجرها حيوان - كارة حمار - في اتجاه مستشفى شهداء الأقصى التي تبعد عدة كيلومترات، وخلال هذه المسافة، تعرّضت للإغماء من التعب الشديد، لكنني كنت مضطراً لإكمال المشوار وإلا سأموت». وإذ يعاني كغيره من المرضى من نقص الأدوية التي تساعد الجسم في إنتاج الهرمونات المناسبة للحفاظ على الدماء داخل الجسم، فهو يؤكد «(أنني) لم أتلقَ الأدوية منذ شهرين تقريباً، وهذا الأمر ينذر بخطورة كبيرة كلما تأخرت عن المستشفى لغسل الكلية».
من جهته، يلفت المتحدث باسم قسم الاستقبال والطوارئ في «شهداء الأقصى»، الدكتور خليل الدغران، إلى أن «المستشفى هو المكان الوحيد الموجود في المحافظة الوسطى لتقديم خدمة غسل الكلى، إذ كان يقدم الخدمة إلى نحو 140 مريضاً قبل الحرب، فيما بات اليوم يعالج نحو 380 مريضاً بشكل يومي». ويضيف الدغران، في حديث إلى «الأخبار»، أن «قسم غسيل الكلى في المستشفى لا يستطيع استقبال هذه الأعداد الكبيرة، وهذا دفع الإدارة إلى تقليص أيام وساعات غسل الكلى بسبب الازدحام الكبير الذي تضاعف ثلاث مرات عما قبل الحرب، إضافة إلى أن التأخر في تقديم الخدمة يؤدي إلى وفاة المريض». ويحذر من أن «استمرار نقص المستلزمات الطبية والأجهزة المعالجة، وقلة التغذية، سيؤديان إلى ارتقاء أعداد كبيرة من المرضى»، مشيراً إلى أن «سياسة الاحتلال المتمثلة في عدم إدخال ما يلزم للمرضى، تأتي في سياق الإبادة الجماعية الجارية، وهو ما يمثل حكم إعدام بحق هؤلاء»، مناشداً «جميع دول العالم والمنظمات الصحية العمل على وقف الحرب، وإرسال المساعدات الطبية اللازمة لإنقاذ المرضى».