رام الله | يوماً بعد يوم، يتعمّق التوغّل الإسرائيلي ضدّ الفلسطينيين، الذين تريد دولة الاحتلال التحكم بكل تفصيل من تفاصيل حياتهم، مستثمرةً في ذلك ما ترتكبه في قطاع غزة من أكبر مقتلة في العصر الحديث على مرأى العالم. والظاهر أن إسرائيل تعتقد أن الوقت قد حان لتنفيذ مخطّطاتها في الضفة الغربية والقدس المحتلتين، وما تقييد دخول الفلسطينيين إلى المسجد الأقصى، ومنعهم من الصلاة فيه في شهر رمضان، إلا ترجمة لهذا التطلّع. وبينما يرفع كل من إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، حذاءً في وجه العالم، ويبتزّان بنيامين نتنياهو الذي لا يمتلك سوى تنفيذ ما يمليانه عليه للحفاظ على عنقه من مقصلة المساءلة، لم يجد رئيس الحكومة بدّاً من الاستجابة لبن غفير في تقييد دخول الفلسطينيين من الداخل المحتلّ والقدس، إلى الحرم القدسي لأداء الشعائر الدينية، في آذار المقبل، خلافاً لتوصية الأجهزة الأمنية.ورغم أن القرار النهائي لم يُتّخذ بعد، غير أن موافقة نتنياهو الأولية لم تلقَ قبولاً لدى أجهزة الاحتلال الأمنية (الجيش، والشاباك)، بسبب الخشية من التصعيد في القدس والضفة. ولذا، اقترحت هذه الأجهزة، بدلاً من ذلك، السماح للفلسطينيين الذين تزيد أعمارهم على الـ45 عاماً بدخول المسجد، في حين اقترحت الشرطة السماح فقط لمَن تتجاوز أعمارهم الـ60 عاماً بالدخول، ونشْر قوّة دائمة في ساحات الحرم في شهر الصوم، بهدف التعامل الفوري مع ما وصفتها بـ«حملات التحريض»، أو رفع أعلام حركة «حماس». ومن جهتها، ترجّح مصادر عبرية أن تتّجه حكومة الاحتلال إلى منع مَن هم دون الـ40 عاماً، من الدخول إلى الأقصى في رمضان، على أن يتم تنفيذ القرار في الأسبوع الأول منه، ويتقرّر من بعده ما إذا كان الاحتلال سيُتم الاستمرار في فرض تلك القيود، أو سيتم تخفيفها.
وكان نتنياهو اعتبر قراره «متوازناً ويسمح بحرّية العبادة في حدود الاحتياجات الأمنية»، رغم أنه يطلق يد الشرطة لفرض القيود العمرية على المصلّين، وهو ما رفضه وزير الأمن، يؤاف غالانت، بحسب المصادر العبرية، انطلاقاً من أن «التحذير الإستراتيجي الصادر عن الشاباك ليس شيئاً يتمّ تقديمه كل يوم»، وأنه «يجب التعامل معه بمسؤولية». وبدوره، رأى رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، هرتسي هليفي، أنه «علينا اتّخاذ قرارات محسوبة العواقب؛ ماذا سيحدث إذا تطلّب الأمر تحويل القوات من غزة إلى الضفة الغربية؟». وفي حين تمحور النقاش حول فلسطينيي الداخل والقدس، أُسقط أهالي الضفة من النقاشات، ذلك أن بن غفير يطالب بحظر دخولهم إلى الأقصى نهائيّاً في رمضان.
تستبق إسرائيل شهر رمضان بجملة من القيود والعقوبات في مدينة القدس والضفة الغربية


ويدافع أقطاب اليمين بأن الفلسطينيين كانوا مؤيدين لعملية «طوفان الأقصى»، وأن منعهم يُعدّ أول الدروس المستقاة من أحداث 7 أكتوبر. لكن تقديرات «الشاباك» ترجح، وفقاً لما ذكرت «القناة 13» العبرية، محاولة حركة «حماس» جرّ فلسطينيي الداخل إلى التصعيد، إذا ما فرضت قيود على دخول الأقصى، وهي تقديرات استهزأ بها بن غفير، قائلاً: «كنّا قد سمعنا تقديراتكم قبل 7 أكتوبر في ما يتعلّق بحماس». وبحسب هذه التقديرات، فإنّ منْع الفلسطينيين الآتين من القدس ومن داخل الخط الأخضر من دخول المسجد في رمضان، سيؤدي إلى اضطرابات واسعة في أوساطهم، «يمكن أن تكون أكبر بكثير ممّا قد يحدث في الضفة».
وسرعان ما انعكس التحريض اليميني على الأرض، إذ نفّذت قوات الاحتلال، فجر أمس، اقتحامات لعدّة أحياء وبلدات في مدينة القدس، من بينها بلدة جبل المكبر التي شهدت مداهمة منازل المواطنين والاعتداء على ساكنيها وتخريب محتوياتها، فضلاً عن تنفيذ حملة اعتقالات واسعة في صفوف الشبان بعد استجوابهم، وإجبار عدد منهم على التوقيع على أوراق بعدم دخول الحرم في رمضان. كذلك، شهدت بلدة العيساوية شمالي القدس مواجهات بين الشبان وقوات الاحتلال، بينما يتعرّض مخيم شعفاط في المدينة لاقتحامات متكرّرة لليوم الثالث على التوالي، منذ وقوع عملية «كريات ملاخي» على يد ابن المخيم، فادي جمجوم، والتي قضى فيها ثلاثة مستوطنين وجنود.
وتستبق إسرائيل، عادة، شهر رمضان، بجملة من القيود والعقوبات في القدس والضفة الغربية، بذريعة الأمن. لكن هذه الإجراءات يمكن أن تكتسب، العام الجاري، أبعاداً أكثر تطرّفاً بفعل العدوان على غزة، وحالة المقاومة المتنامية في الضفة. وفي هذا الإطار، نشرت مصادر عبرية إحصاءات عن الأوضاع الأمنية في الضفة في العام الماضي، إذ سجّل جيش الاحتلال ارتفاعاً بنسبة 350% في العمليات الفدائية مقارنة مع عام 2022. ووفقاً للإحصاءات، فإن 608 عمليات إطلاق نار ودهس وطعن وإلقاء عبوات حدثت في السنة الماضية في الضفة، في مقابل 170 عملية في 2022، وإن نحو 300% من الأحداث هي عمليات إطلاق نار، وهو الرقم الأعلى منذ الانتفاضة الثانية. وبحسب المصادر العبرية، فإن «شمال الضفة الغربية كان القطاع الأكثر سخونة، حيث نُفّذت أكثر من 50 عملية إطلاق نار خرجت من جنين منذ بداية عام 2023، وحتى شهر تموز».