رام الله | عاشت مدينة جنين ومخيّمها، شمالي الضفة الغربية المحتلة، ليلةً ساخنة، شهدت اشتباكات مسلّحة عنيفة، استمرّت، من دون انقطاع، لأكثر من ثماني ساعات، وتخلّلها تفجير العديد من العبوات الناسفة الثقيلة بآليات العدو. ومع ساعات الليل الأولى، تحوّلت جنين ومخيّمها إلى ساحة حرب حقيقية، بعد اكتشاف قوة خاصّة إسرائيلية لدى محاصرتها أحد المنازل، ما مكّن المقاومين من تطويقها في كمين محكم، وإمطارها بوابل من القنابل والرصاص، وذلك قبل أن تقتحم المدينةَ قوّة إسرائيلية كبيرة مظلّلة بالطيران الحربي، في محاولة لإنقاذ الجنود الذين وقعوا في الكمين. وأثناء عملية الإنقاذ، قصف الطيران المسيّر عدداً من الشبان في المخيم، في وقت أفادت فيه مصادر طبية باستشهاد المقاوم عارف مروان القدومي (26 عاماً) من قرية كفر قدوم في قلقيلية، وإصابة سبعة شبان بالرصاص الحيّ وشظايا القصف، علماً أن القدومي، المتّهم بتنفيذ عدة عمليات إطلاق نار، أسير محرّر، التحق بالمقاومة في مخيم جنين، فور الإفراج عنه من سجون الاحتلال قبل أشهر. أيضاً، زعم العدو اغتيال خليّة مؤلّفة من ثلاثة مقاومين في المدينة، لكن أيّ جهة فلسطينية لم تؤكد تلك المعلومات. وعلى عادتها في كلّ اقتحام، شرعت قوات الاحتلال في تدمير البنية التحتية لمدينة جنين ومخيّمها، ولا سيما شارع حيفا عند «دوار الأحمدين»، والشارع العسكري، و«دوار يحيى عياش»، و«دوار الجلبوني»، و«دوار البطيخة»، و«دوار الحثناوي». كما دمّرت «بسطات» مواطنين قرب «دوار الحمامة» ومنطقة «دوار زايد» في المدينة، إضافة إلى تدمير وإحراق مركبات، وقصف منزل في حيّ السمران في المخيّم مرتَين بطائرة «أباتشي». أيضاً، جرى إخضاع عشرات الشبان للتحقيق الميداني، وذلك بعد حملة مداهمات واسعة، فيما استهدف جنود العدو سيارات الإسعاف، وأطلقوا النار عليها، مانعين دخولها إلى المخيّم لنقل المصابين.
ووفقاً لمصادر محلّية، فقد فشلت مهمّة القوات الخاصة التي حاصرت منزلَين في المخيّم في الوصول إلى مقاومين، فيما أكدت فصائل المقاومة أنها أوقعت قوات الاحتلال في كمين محكم، وحقّقت في صفوفها إصابات مباشرة بالرصاص وبالعبوات الناسفة. وفي التفاصيل، أفادت «كتائب القسام» في جنين بأن مقاتليها تصدّوا للقوات المقتحمة بالأسلحة المناسبة والعبوات شديدة الانفجار، فيما قالت «كتيبة جنين» إن عناصرها خاضوا اشتباكات مسلّحة مع جيش العدو، تخلّلها تفجير لعدد من العبوات الناسفة. وبالتزامن مع اقتحامها جنين، اقتحمت قوات الاحتلال بعدد من الآليات العسكرية بلدة كفر قدوم شرقي مدينة قلقيلية شمالي الضفة الغربية (مسقط رأس الشهيد)، إذ حاصرت أحياء عدّة، وشنّت حملة مداهمات لمنازل ومحال تجارية، وقامت بتفتيشها والعبث بمحتوياتها تحت ذريعة البحث عن مطلوبين.
يستمرّ الاحتلال في مجازره وجرائمه بحقّ الأسرى، والتي أسفرت عن استشهاد الأسير خالد الشاويش


وتزداد سخونة الأحداث في الضفة يوماً بعد آخر، مع اقتراب شهر رمضان، والقيود التي تنوي إسرائيل فرضها لمنع الفلسطينيين من الصلاة في القدس، فيما حذّرت حركة «حماس» من أن «الانفجار قادم في وجه الاحتلال الإسرائيلي، ردّاً على أيّ قيود على دخول المسلمين إلى المسجد الأقصى في شهر رمضان المقبل». ويمكن قراءة أحد أوجه هذا التصعيد المتوقع عبر نشاطات المقاومة؛ فبعد عملية «كريات ملاخي»، لا تزال محاولات تنفيذ عمليات فدائية مستمرّة، وآخرها محاولة سائق مركبة تنفيذ عملية دهس عند ما يُعرف بمفترق مئة، بالقرب من مستوطنة «غوش عتصيون» شمالي الخليل، قبل أن تبادره قوات الاحتلال بإطلاق النار عليه. وبحسب التقارير الإسرائيلية، لم يبلّغ عن وقوع إصابات في صفوف الجنود، فيما لم ترد أنباء عن مصير السائق.
في هذا الوقت، يستمرّ الاحتلال في ارتكاب جرائمه بحقّ الأسرى، وآخرها ما أسفر عن استشهاد الأسير خالد الشاويش، أحد قادة «كتائب شهداء الأقصى» في الانتفاضة الثانية، والمحكوم بـ11 مؤبداً. والشهيد الشاويش (53 عاماً)، ينحدر من بلدة عقابا (طوباس)، وكان مقيماً في مدينة رام الله، وقد تعرّض عام 2001 لإصابة بليغة برصاص جيش العدو، أدت إلى إصابته بالشلل، وبعشرات الشظايا، لكنه استمرّ في مقاومته للاحتلال بعد إصابته، إلى أن اعتُقل عام 2007، وحُكم عليه بـ11 مؤبداً. وخالد هو شقيق الأسير ناصر المحكوم بالسجن أربع مؤبدات، وشقيق الشهيد موسى الذي ارتقى عام 1992، كما أن اثنين من أبنائه تعرّضوا للاعتقال، علماً أنّه متزوج وأب لأربعة أبناء (قتيبة، أنصار، عناد وتسنيم). كما تعرّض، أثناء اعتقاله، لعدة جرائم طبيّة، إذ مكث معظم سنوات سجنه في ما تسمّى «عيادة سجن الرملة» التي يطلِق عليها الأسرى «المسلخ»، وارتقى فيها عدد من رفاقه المرضى على مدار السنوات الماضية. وعلى مدى أعوام اعتقاله، بقيت الشظايا في جسده، فيما واصلت إدارة السجون تزويده بمسكنات فيها نسبة عالية من المخدر، لتخفيف الآلام التي ترافقه. وقبل عدّة سنوات، سقط الشاويش عن كرسيه المتحرّك، ما تسبّب بكسر في البلاتين في يده، وتفاقُم وضعه بشكل خطير، بعدما خضع لعملية جراحية في مستشفى «سوروكا»، وأصيب بتسمّم في جسده. ومنذ ذلك الحين، ووضعه يتفاقم بشكل خطير. ونقل الشاويش قبل نحو عام من «الرملة» إلى سجن «ريمون»، ومنه إلى «نفحة» بعد السابع من أكتوبر، حيث واجه تحقيقاً قاسياً في بداية اعتقاله، أدّى إلى مزيد من التدهور في حالته.