رام الله | لا تُلقي إسرائيل بالاً لكل المواقف الدولية المندّدة بالاستيطان في الضفة الغربية، بما فيها القدس المحتلة، إذ تمضي يوماً بعد آخر في تنفيذ مخطّطاتها الاستيطانية، بما يجلّي كذب الادّعاءات الغربية، ويشكّل تحدّياً أمام مَن يروّج للعمل على إحياء «حل الدولتين»، والاعتراف بالدولة الفلسطينية، حين ينتهي العدوان على قطاع غزة. والواقع أن المشروع المشار إليه لا يعدو كونه محاولة مستجدّة لبيع الأوهام، علّ ذلك يوفّر بعض الوقت لإسرائيل لتحقيق أهداف حربها المستمرّة على القطاع، علماً أن الوقائع التي فرضها كيان الاحتلال على الأرض، يستحيل معها أن يقبل العدو بإقامة دولة فلسطينية مستقلّة وذات سيادة، على حدود عام 1967. وتمثَّل آخر تلك المخطّطات، في ما كشف عن نية حكومة بنيامين نتنياهو الدفع ببناء 3,344 وحدة استيطانية جديدة، بدعوى «الرد» على عملية «معاليه أدوميم» شرقي القدس المحتلة، أول من أمس، والتي أسفرت عن مقتل جندي وإصابة 8 مستوطنين.ويبدو أن حكومة الاحتلال وجدت في تلك العملية الفدائية ذريعة لتمرير المخطّط الاستيطاني، الذي كان جاهزاً سلفاً، إذ قال وزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش: «لِيعلم كلّ مخرّب يخطّط لإيذائنا أن أيّ يد تُرفع ضدّ مواطني إسرائيل، ستُقابَل بضربة قاتلة وإبادة وتعميق قبضتنا الأبدية على أرض إسرائيل بأكملها»، علماً أن الوزير نفسه سعى أخيراً إلى تمرير المخطّط المذكور، لكن الحكومة وجدت أن توقيته ليس مناسباً، لأن من شأنه أن يعرقل الدعم المفتوح لعدوانها على قطاع غزة. وذكرت وسائل إعلام عبرية أن نتنياهو عقد جلسة شارك فيها سموتريتش، ووزير الأمن يوآف غالانت، ووزير الشؤون الإستراتيجية رون ديرمر، لبحث «الدفع ببناء آلاف الوحدات السكنية في معالي أدوميم، رداً على عملية إطلاق النار»، على أن يعقد «المجلس الأعلى للتخطيط» جلسته، خلال الأسبوعين المقبلَين، للمصادقة على المشروع الجديد، الذي يتوزّع على مستوطنات «معاليه أدوميم»، بواقع 2,350 وحدة استيطانية، و«كيدار» 300 وحدة، و«إفرات» 694 وحدة.
يأمل سموتريتش إظهار نفسه كقائد للمشروع الاستيطاني، بما يضمن له شعبية انتخابية في المستقبل


هكذا، وفي محاولته إظهار أن المخطّط الاستيطاني الجديد جاء رداً على عملية القدس، يربط سموتريتش بين فرض السيادة وتعزيز الأمن بالنسبة إلى إسرائيل، والاستيطان، علماً أن الخطط الاستيطانية لم تتوقّف يوماً، بل إن الوزير اليميني المتطرّف يسعى إلى تعزيزها منذ اليوم الأول لتشكيل الحكومة. وفي إطار هذا الربط، يرى سموتريتش أن تكثيف الاستيطان في كل مكان، من شأنه أن يوفّر الأمن لإسرائيل والمستوطنين، ويعتبر أن حالة المقاومة المتصاعدة في شمال الضفة الغربية، وتحديداً في جنين وطولكرم، مردّها «عدم وجود استيطان يهودي». أيضاً، يدفع سموتريتش إلى إعادة الاستيطان إلى قطاع غزة، بدعوى أن ذلك سيمنع «الإرهاب» من النمو والظهور في القطاع.
ولسموتريتش، الذي يقود الإدارة المدنية الإسرائيلية، كوزير ثانٍ، آمال أخرى، من وراء مساعيه، وتتمثّل في إظهار نفسه كمدافع أول أو كقائد للمشروع الاستيطاني في الضفة، بما يضمن له شعبية مستقبلية، في أوساط المستوطنين الذين رجّحوا فوزه في الانتخابات الإسرائيلية. وبالفعل، تنال سياسته هذه تقديرَ قادة المستوطنات؛ إذ أثنى «رئيس مجلس الاستيطان»، شلومو نئمان، على قرار انعقاد «مجلس التخطيط الأعلى»، قائلاً إن «تعزيز الاستيطان يُعدّ ردّاً مناسباً على كل مَن يحاول المسّ بنا أو زعزعة حقّنا في البلاد. نحن نأمل في أن تتمّ المصادقة في أقرب فرصة ممكنة على باقي الوحدات السكنية التي تنتظر الموافقة، ولا حاجة إلى انتظار عملية دموية أخرى. على أعدائنا إدراك أنه لا يمكن ردعنا عبر العمليات، ويتوجب علينا الاستمرار وتعزيز قبضتنا على جميع أرجاء البلاد». وضمن السياق نفسه، كان سموتريتش قد تعهّد، قبل أيام، بتحدّي قرار الرئيس الأميركي، جو بايدن، بفرض عقوبات على 4 مستوطنين، إذ قال إنه ماضٍ في تعزيز الاستيطان اليهودي في جميع أنحاء إسرائيل، حتى لو كان الثمن عقوبات أميركية، منتقداً قرار الإدارة، بالقول: «من العار أن تتعاون حكومة بايدن مع حملة ضدّ المستوطنين»، ومتّهماً الرئيس الأميركي بالعمل مع «معادي السامية»، و«إضفاء الشرعية» على الهجمات ضدّ المستوطنين الإسرائيليين.

اغتيال جديد في جنين
على خطّ موازٍ، اغتال جيش الاحتلال، مساء أول من أمس، أحد قادة «كتيبة جنين» الميدانيين، ياسر حنون، والمقاوم سعيد جرادات، بعد قصف مركبة كانا يستقلّانها وسط المخيم، بصاروخين من طائرة مسيّرة. وأصيب في القصف الذي تسبّب في احتراق المركبة وجسد الشهيد حنون، 15 آخرون، بينهم خمسة أطفال بجروح بعضها خطير. ونعت «سرايا القدس»، في بيان، شهيديها حنون وجرادات، مؤكدة أن «دماء أبطال كتيبة جنين لن تذهب هدراً وستزهر نصراً قريباً»، وأن مسيرة الجهاد والمقاومة مستمرّة. وسبقت عملية الاغتيال هذه، بـ24 ساعة، عملية اقتحام واسعة للمخيم استمرّت لأكثر من 8 ساعات، تخلّلها اشتباكات مسلحة وصفت بالعنيفة جداً، فيما فشلت قوات الاحتلال خلالها في الوصول إلى مقاومين.