رام الله | قبل ثلاثة أيام من اجتماع الفصائل الفلسطينية المقرّر عقْده في العاصمة الروسية، موسكو، أعلن رئيس الوزراء الفلسطيني، محمد إشتية، أنه وضع استقالة حكومته، الأسبوع الماضي، تحت تصرُّف رئيس السلطة، محمود عباس، لافتاً إلى أن القرار جاء في ضوء «المستجدّات السياسية والأمنية والاقتصادية المتعلّقة بالعدوان على قطاع غزة، والتصعيد غير المسبوق في الضفة الغربية، بما فيها مدينة القدس، ونظراً إلى حاجة المرحلة المقبلة إلى ترتيبات حكومية وسياسية جديدة، تأخذ في الحسبان الواقع المستجدّ في القطاع، ومحادثات الوحدة الوطنية، والحاجة الملحّة إلى توافق فلسطيني - فلسطيني». ومساء أمس، بتّ عباس في أمر الاستقالة بقبولها، مكلّفاً حكومة إشتية، التي تشكّلت في نيسان 2019، بتسيير الأعمال حتى تشكيل حكومة جديدة.ويمكن قراءة استقالة حكومة السلطة، باعتبارها تلبيةً للضغوط الإقليمية والدولية، وتحديداً الأميركية، على عباس، كما أنها تحمل في الوقت ذاته رسالة إلى هذه الأطراف مفادها بأن «أبو مازن» قام بالخطوة الأولى نحو تحقيق مطلب واشنطن تشكيل حكومة تكنوقراط. وإذا كانت تلك الخطوة تحتاج إلى إجراءات مقابلة من الأطراف الدولية، فإن الدوائر المقربة من مكتب رئاسة السلطة سرّبت أن عباس وضع ثلاثة مطالب يرى أنها ضرورية للتوجّه نحو تشكيل حكومة التكنوقراط، وهي: وقف الحرب على قطاع غزة، وتوفير ضمانات دولية لانسحاب الاحتلال من القطاع، ووقف الاقتحامات في الضفة، إلى جانب رفْع الحصار المالي عن السلطة. وفي حين يطمح الفلسطينيون إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية من الفصائل كافة، بما فيها حركة «حماس»، تكون قادرة على قيادة المرحلة المقبلة، إلا أن الأطراف الداعية إلى تشكيل حكومة التكنوقراط تريد إبعاد الحركة عن الحكم.
في هذا الوقت، يُرتقب أن تناقش الفصائل في موسكو شكل الحكومة ووظائفها وحتى أسماء أعضائها، علماً أن الاسمَين المرشّحَين لتولّي رئاستها، واللذين باتا يتردّدان كثيراً، هما رئيس «صندوق الاستثمار الفلسطيني»، ومستشار الرئيس للشؤون الاقتصادية محمد مصطفى، ورئيس الوزراء الأسبق سلام فياض. ويحظى كلا الاسمين بدعم أطراف دولية وإقليمية، غير أن عباس يدعم مصطفى، الذي بدأ بالفعل مشاورات تشكيل حكومة التكنوقراط، بعد تكليفه بذلك من جانب رئيس السلطة، وبوضع خطّة لإعادة إعمار قطاع غزة، وإدخال إصلاحات على النظم الإدارية والمالية والقانونية الفلسطينية، في ما يُعدّ استجابةً للمطالب الأميركية بإدخال إصلاحات على عمل السلطة.
يُرتقب أن تناقش الفصائل في موسكو شكل الحكومة ووظائفها وحتى أسماء أعضائها


وفيما يُرتقب أن يُطرح ملفّ تشكيل الحكومة على طاولة المحادثات في موسكو، إلا أن بعض الفصائل يرى أن التوقيت ليس مناسباً لذلك، وأن الجهد يجب أن يتركّز على وقف العدوان على غزة. وفي هذا الإطار، أبدت حركة «حماس»، وفقاً لتصريحات مصادرها، دعمها لتشكيل حكومة وحدة وطنية، شرط أن يكون لها إطار جامع وبرنامج محدَّد. وإلى الملف المذكور، ستناقش الفصائل مسألة إنهاء الحرب، وانضمام حركتَي «حماس» و«الجهاد الإسلامي» إلى «منظمة التحرير»، وتالياً تحديد مصير الشروط التي يضعها عباس أمام الحركة لإنجاز الوحدة، ومنها: الاعتراف بإسرائيل وبالشرعية الدولية والاتفاقات التي أبرمتها «منظمة التحرير» خصوصاً مع إسرائيل. كذلك، تعتقد السلطة أن استقالة إشتية قد تشكّل رسالةً ضاغطة لوقف الحرب، وتحديداً لناحية أنه لا يمكن تشكيل حكومة تكنوقراط أو أيّ حكومة جديدة، تستطيع تولّي المسؤولية في القطاع والضفة، في ظلّ استمرار الحرب.
وقبل ساعات من استقالة حكومة إشتية، اعتبرت حركة «فتح»، في بيان، أن «الأهمّ من استقالة الحكومة، هو إنهاء كلّ أشكال المعيقات التي ستحول دون قدرة الحكومة على أداء كامل مهمّاتها ومسؤولياتها في غزة والضفة بما فيها القدس كوحدة جغرافية وسياسية واحدة»، مضيفةً أنه «لضمان نجاح عمل الحكومة سواء الحالية أو أيّ حكومة جديدة يمكن تشكيلها ضمن توجّهات الإصلاح والتطوير والتغيير التي أعلن عنها رئيس الوزراء د. محمد إشتية، يجب أن يسبقها وقف للعدوان، والانسحاب من القطاع، والكفّ عن الاعتداءات والاقتحامات للضفة الغربية ورفع الحصار المالي والتضييق على السلطة الوطنية الفلسطينية». وتابعت أن «أيّ حكومة فلسطينية هي مسؤولة عن كل الشعب الفلسطيني، ومن المهمّ النظر في شكل العلاقة المستقبلية لهذه الحكومة مع حركة حماس، وبما ينعكس على نجاح مهمّتها». ومن شأن استقالة إشتية قبل انطلاق حوار موسكو الفصائلي، أن يعطي حرية أكبر للفصائل لوضع تصوّراتها، في وقت يقوم فيه عباس بجولة مشاورات عربية، بدأت بلقائه الملك الأردني، عبد الله الثاني. على أن الفلسطينيين لا يبنون آمالاً وتوقعات كبيرة على الحكومات الجديدة، لإدراكهم عجزها عن القيام بأيّ تغيير للوضع القائم، كونها لا تمتلك أيّ أوراق قوّة.