قبل شهر من انتهاء سريان الأمر الذي يعفي الحريديين من الخدمة العسكرية، خرج وزير الأمن الإسرائيلي، يوآف غالانت، في مؤتمر صحافي، قاذفاً ما اعتُبر «قنبلةً» قد «تشظّي» الحكومة؛ إذ أعلن أن وزارته لن تدفع في اتّجاه سنّ قانون للتجنيد، من دون موافقة جميع مُركّبات حكومة الطوارئ، التي تضمّ أحزاب الائتلاف الأساسي، بقيادة بنيامين نتنياهو، إضافةً إلى كتلة «المعسكر الوطني»، بقيادة بني غانتس. ويعني ما قاله غالانت أنه إذا لم يتمّ التوصّل إلى اتفاق، فسيضطرّ الحريديون، مع انتهاء الإعفاء الشهر المقبل، إلى التجنُّد - كغيرهم - في الجيش، وهذا ما ترفضه القيادة الروحية لهذا التيار. وتطالب الكتل الحريدية بالإبقاء على إعفاء أبنائها الذين يتفرّغون لدراسة التوراة، وأولئك الذين تخرّجوا من المعاهد التعليمية التوراتية، من التجنيد الإلزامي، في حين أن جزءاً من أحزاب الائتلاف الأساسي، ومن بينهم وزراء في «الليكود»، وكذلك كتلة «المعسكر الوطني»، فضلاً عن أحزاب المعارضة الرسمية، يرفضون هذا المطلب، ويشدّدون على ضرورة تقاسم الأعباء بين الجميع.وبالعودة إلى غالانت، فهو شدّد على أهمية أن يتحمّل الجميع العبء، لأن «ثمّة حاجة قومية ملحّة إلى تمديد الخدمة العسكرية في صفوف القوات النظامية، وتمديد خدمة جنود الاحتياط»، نظراً إلى الحرب المتواصلة على غزة، والتحديات الأمنية المتفاقمة والتهديدات التي تواجهها إسرائيل. وأضاف وزير الأمن أن «أيّ قانون تجنيد يحظى بموافقة جميع أطراف حكومة الطوارئ، سيكون مقبولاً بالنسبة إليّ؛ لكن من دون موافقة جميع المركّبات الائتلافية، فإن الجيش ووزارة الأمن تحت قيادتي لن يقدّما قانوناً للتجنيد». ورأى أنه «من الممكن والمهمّ التوصّل إلى مخطّط متّفق عليه للتجنيد، وكذلك لجزء متعاظم من الجمهور الحريدي»، داعياً نتنياهو إلى «قيادة تحرّك مشترك مع كل أطراف الائتلاف بهدف التوصّل إلى التفاهمات اللازمة». وجاء خطاب غالانت بعد أسبوعين من طرح «المعكسر الوطني» خطّته لتجنيد الحريديين في الجيش الإسرائيلي؛ إذ رهن وزراء الكتلة، ورئيسا هيئة الأركان السابقان، غانتس، وغادي آيزنكوت، دعمهما لتمديد مدة الخدمة العسكرية للاحتياطيين وللجنود النظاميين، بقبول مخطّطهما الرامي إلى زيادة عدد الإسرائيليين المجنّدين تدريجياً على مدار السنوات العشر المقبلة.
«الأوساط الحريدية تقدّر أن (القنبلة) التي ألقاها غالانت، ستفضي بنا، خلال أسابيع أو أشهر، إلى جولة انتخابية جديدة»


وفي عام 2015، سُنّ قانون التجنيد الذي أعفى الحريديين من الخدمة، غير أن «المحكمة العليا» ألغته في عام 2017، بعد مداولات واعتراضات واستئنافات، باعتباره يمسّ بالمساواة. ومنذ إلغائه، مدّد «الكنيست» أكثر من مرّة إعفاء الحريديين، من دون أن يكون هناك قانون يعفيهم صراحة من التجنيد، فيما أصبح على الحكومة الآن إمّا أن تسنّ قانون تجنيد جديداً يحلّ المسألة، أو أن تتكتّل غالبية تسمح بتمديد الإعفاء، الذي ترفضه معظم شرائح المجتمع الإسرائيلي، وخصوصاً العلمانيين. وفي هذا الإطار، قال محلّل شؤون الحريديين في موقع «كيكار هشبات»، يشي كوهين، في مقابلة مع إذاعة «103 إف إم»، إن خطاب غالانت شكّل صدمة بالنسبة إلى رؤساء الكتل الحريدية. ولفت إلى أن «الأوساط الحريدية تقدّر أن (القنبلة) التي ألقاها غالانت ستفضي بنا، خلال أسابيع أو أشهر، إلى جولة انتخابية جديدة. حتى أنهم (الأحزاب الحريدية وأوساطها) يشكّكون في أنّ ما حصل مخطّط له بهدف إسقاط الحكومة». ورأى أن مَن يرغب في التوصّل إلى حلّ فعلي، «يقوم بذلك بصمت، لا وسط الضجيج، وليس بإشراك الجمهور في قضيّة حسّاسة إلى هذا الحدّ، ولا سلطة أساساً للأحزاب الحريدية عليها، مقابل سلطة القيادة الروحية للتيار الحريدي». وشكّك في أن توافق الأخيرة حتى على المخطّط الذي عرضه غانتس وآيزنكوت، ذلك أن خطّتهما «تتطرّق أيضاً إلى تجنيد الشباب الحريديين في سنّ معينة للخدمة العسكرية والمدنية، ومن المستبعد أن يوافق الحاخامات على إخراج طلبة المدراس المدراشية (التوراتية)، من مقاعدهم بهدف التجنيد»؛ علماً أن التيار الحريدي (الأرثوذكسي)، الذي يُعتبر الأكثر تشدداً من الناحية الدينية في إسرائيل، يضم حوالى 13% من الإسرائيليين، ويُعدّ مجتمعاً شمولياً مغلقاً، حيث تُفرض على أبنائه قيود خاصة بالتواصل مع «العالم الخارجي»، ويمنعون من استخدام الهواتف الذكية، ومشاهدة التلفاز، ويتفرّغون حتى سن معيّنة لدراسة التوراة والأدب التلمودي، ولا يشاركون في أداء الواجبات ككلّ «مواطني إسرائيل»، بينما يحصلون على كامل «حقوقهم» كغيرهم.