غزة | يواصل العدو الإسرائيلي ارتكاب المجازر الجماعية والعائلية في قطاع غزة، وتحديداً في شماله، من دون أيّ تهاود. لا بل إن هذه المجازر ازدادت وتيرتها في الأيام القليلة الماضية، في ما يبدو محاولة لتسليط مزيد من الضغط على الفريق الفلسطيني المفاوض في القاهرة، ودفعه إلى تقديم تنازلات. وفي هذا السياق، يتتابع مسلسل قصف المنازل من دون تنبيه، وآخر حلقاته غارات على منزل لعائلة الكيلاني في مدينة بيت لاهيا شمال القطاع، ليل الإثنين - الثلاثاء، ما أدى إلى وقوع عدد من الشهداء. كما استهدفت طائرات الاحتلال، في الوقت نفسه، منزلاً لعائلة الغندور في شارع الهوجا، متسبّبةً في سقوط ما لا يقلّ عن ثمانية شهداء. وسبق لجيش العدو أن قصف، ليل السبت - الأحد، ثلاثة منازل في الشمال أيضاً، الأول بالقرب من مفترق الشهداء، تسكنه عائلة حمدونة الممتدة والمكونة من 35 شخصاً، والتي انهار المنزل على رؤوس أفرادها، ما أدى إلى سقوط 25 شهيداً من بينهم؛ والثاني لعائلة الكحلوت في منطقة الصفطاوي حيث قضى أربعة شهداء؛ والثالث لعائلة وادي التي استشهد كلّ أفرادها أو أُصيبوا.إلا أنه مساء الأحد، وفي تصرف غير معهود، تلقى المئات من الأهالي النازحين في مدرسة عوني الحرثاني، الملاصقة لمبنى نقابة المهندسين بالقرب من مفترق الشيخ زايد، شمالي غزة، اتصالاً من ضباط مخابرات إسرائيليين، يطلبون فيه منهم إخلاء المركز «خوفاً على سلامتهم»؛ إذ سيجري بعد القليل من الوقت قصف أهداف قريبة من المركز الذي يؤويهم. وعلى إثر ذلك، هرع الآلاف من الأهالي، في ظلام الليل الحالك، من «الحرثاني» ومراكز الإيواء المحيطة به، إلى مستشفى كمال عدوان. وبعد ساعة من الانتظار هناك، قصفت الطائرات الحربية مبنى نقابة المهندسين، قبل أن يتصل ضباط الاحتلال بعدد من المشرفين على المراكز المخلاة، ويبلغوهم إمكانية العودة إليها «بأمان»، بعد أن انتهت مهمة الجيش في تلك المنطقة.
يتتابع مسلسل قصف المنازل من دون تنبيه


فما سر تلك «الإنسانية» المفاجئة؟ إنها ببساطة محاولة مدروسة لصناعة أرشيف من المكالمات والوثائق المسجلة، التي يريد جيش العدو أن يثبت عبرها أنه يقوم بكل الإجراءات الممكنة للحد من الخسائر بين المدنيين. ولذا، كان ضباط المخابرات وادعين في حديثهم مع السكان، إذ قالوا لهم: «نحن حريصون على سلامتكم، سننهي عملياتنا ونخبركم، عودوا بأمان»، فيما في المحافل الدولية ثمة جهود حثيثة لمقارعة صورة
الإجرام الصارخة، بالوثائق المدعاة والمكذوبة. وفي الإطار نفسه أيضاً، وفي مسعى إلى غسل اليد من دماء شهداء «مجزرة الطحين» في مفترق النابلسي، ألقت طائرات العدو، مساء الإثنين، مئات الآلاف من المنشورات، التي تبدأ بآيات من القرآن وتُختتم بأخرى، مطالبةً السكان بعدم التدافع تجاه شاحنات المساعدات، والسماح بمرورها إلى الأحياء المأهولة بعيداً من حاجز الجيش، علماً أن هذا الأخير يرسم لسائقي الشاحنات مسار العبور والتوقف، ويطاردهم بطائرات «الكواد كابتر»، إن هم قرروا التوقف أو السير من طريق مغايرة.