كشفت الزيارة التي أجراها رئيس «المعسكر الوطني»، بني غانتس، إلى واشنطن، خلافاً لرغبة رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، عن المدى الذي وصل إليه ضيق الإدارة الأميركية بهذا الأخير، وجناحه اليميني المتطرّف داخل حكومته؛ علماً أنه سبق الزيارة التي اعتبرتها الحكومة «غير رسمية»، ولم تموّلها على نفقتها، تعليمات صدرت عن مكتب نتنياهو لسفيرَي إسرائيل في كلّ من واشنطن ولندن، بعدم الاهتمام برحلة غانتس أو مرافقته خلال لقاءاته مع مسؤولي البلدَين. وطبقاً لما نقله موقع «واللا» العبري، فقد أبلغت نائبة الرئيس الأميركي، كامالا هاريس، غانتس، خلال لقائهما، أن إدارة بلادها ترغب في مواصلة دعمها لإسرائيل في حربها على غزة، ولكنها طلبت في المقابل السماح بإدخال المساعدات الإنسانية إلى القطاع. وأفاد مصدر مطّلع على اللقاء، «واللا»، بأن هاريس قالت لغانتس: «ساعدونا كي نساعدكم»، فيما نقل جميع المسؤولين الأميركيين الذين التقاهم وزير حكومة الحرب، رسالة مفادها أنّ استمرار الحرب يحتاج إلى «إغراق غزة بالمساعدات»، وأنّ «على إسرائيل إيجاد حلّ وآلية يتيحان تنفيذ ذلك».وفي هذا الإطار، نقل مراسل الشؤون السياسية للموقع، ومراسل موقع «أكسيوس» الأميركي في إسرائيل، باراك رافيد، عن مصادر إسرائيلية وأميركية مطّلعة على مضمون المحادثات التي أجراها غانتس مع هاريس ومستشار الأمن القومي، جايك سوليفان، قولها إن المسؤولَين الأميركيَّين «مرّرا رسائل شديدة اللهجة إلى إسرائيل في شأن الوضع الإنساني المتفاقم، في ضوء حقيقة أن تل أبيب لا تبذل جهوداً كافية في هذا الخصوص»، في إشارة إلى إدخال المساعدات الإنسانية، والمجزرة التي ارتُكبت في حقّ الفلسطينيين الذين احتشدوا للحصول على مساعدات في شارع الرشيد.
والظاهر أن الانتقادات التي وجّهها المسؤولون الأميركيون إلى إسرائيل «فاجأت غانتس»؛ إذ قال مصدر إسرائيلي مطّلع على مضمون الرسائل التي نُقلت إلى الوزير: «من الواضح أن هناك صعوبة كبيرة، وينبغي أن نبحث كيف سنتغلّب عليها». في المقابل، خرج غانتس من اللقاءات باستنتاج يقول إن زيارته إلى البيت الأبيض «أتت متأخرة شهرين»، كما أن «العلاقات المتوتّرة بين الإدارة الأميركية ونتنياهو (وخصوصاً الجناح اليميني المتشدّد بقيادة الوزيرَين إيتمار بن غفير، وبتسلئيل سموتريتش)، لم تسمح ببلورة إدراك كافٍ في الإدارة الأميركية حيال نوايا إسرائيل وسياستها».
بدا المسؤولون الأميركيون «متشائمين» حيال إمكانية التوصّل إلى اتفاق تطبيع بين تل أبيب والرياض في ظلّ الظروف الراهنة


ووفقاً للموقع، فإن غانتس «اكتشف»، خلال محادثاته في البيت الأبيض، أن كبار مسؤولي الإدارة «لا يصدّقون ما سمعوه من نتنياهو ومستشاريه حتى الآن، حول العملية العسكرية المحتملة في رفح، وخصوصاً حديثه عن خطّة إجلاء الفلسطينيين من المدينة»؛ إذ سأل مستشار بايدن لشؤون الشرق الأوسط، بريت ماكغورك، إضافة إلى سوليفان وهاريس، غانتس، عن المنطقة التي تنوي إسرائيل نقل نازحي رفح إليها، و«شكّكوا في قدرة إسرائيل على فعل ذلك»، رغم قول الوزير إن «إسرائيل لا تنوي شنّ عملية عسكرية في رفح قبل إجلاء السكان من هناك، وثمّة إمكانية لتنفيذ ذلك».
وفي سياق أوسع، بدا المسؤولون الأميركيون «متشائمين» حيال إمكانية التوصّل إلى اتفاق تطبيع بين تل أبيب والرياض في ظلّ الظروف الراهنة. وشدّدوا على أن «المفتاح» لتطبيع العلاقات بحوزة إسرائيل، التي عليها تنفيذ خطوات «كبيرة» في الموضوع الفلسطيني لكي يتمكّن وليّ العهد السعودي، محمد بن سلمان، من التقدّم نحو «اتفاق سلام»؛ ومن بينها أن تتعهد إسرائيل «بمسار يفضي مستقبلاً إلى دولة فلسطينية». ووفقاً للموقع، فإن المسؤولين الأميركيين «يشكّكون في أن تتمكّن حكومة نتنياهو الحالية، من تنفيذ مثل هذه الخطوات»، في إشارة إلى رفضها أصلاً فكرة إقامة دولة فلسطينية، وعدم وضوحها في شأن الجهة التي ستتولّى إدارة القطاع مدنياً في «اليوم التالي»، فضلاً عن دعوات وزراء في «الليكود»، الذي يتزعمه نتنياهو، وآخرين من كتلة «الصهيونية الدينية» إلى إعادة الاستيطان في غزة، وبناء الأنوية الاستيطانية هناك، وإبقاء القطاع تحت السيطرة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية على غرار الجزء الأكبر من الضفة الغربية المحتلّة.
وكان قد أصدر مكتب غانتس، بياناً قال فيه إن الوزير اعتبر، خلال لقاءاته في البيت الأبيض، أن «ثمّة أهمية لإنهاء مهمّة الإزالة لتهديد حماس، ولإيجاد حلّ لنقل المساعدات الإنسانية إذ تصل إلى السكان وليس إلى حماس، وكذلك ضرورة تحقيق كل غايات العملية العسكرية بشكل يسمح بمستقبل أفضل للمنطقة كلّها». وأشار إلى أهمية العمل على ذلك «منذ الآن»، إذ «تقام مديرية دولية بالتعاون مع دول المنطقة وكجزء من دفع خطوات التطبيع» إلى الأمام.
وفي تعليقه على سلوك غانتس، رأى الكاتب والصحافي الإسرائيلي، موشيه نستلباوم، في صحيفة «معاريف»، أن الوزير «لا يحسب حساباً لرئيس الوزراء»، كما أنه يعتقد أن نتنياهو «لا يجرؤ على إقالته، لأن ذلك سيؤدي إلى استقالة (زميله) الوزير غادي آيزنكوت»، مشيراً إلى ما سبق باعتباره السبب الذي جعل غانتس يجرؤ على فعل ما لم يجرؤ عليه أيّ وزير آخر، ومن ضمنهم وزراء «الليكود»، فيما يُظهر عبر خطوته تلك أنه «ليس في جيب نتنياهو». ومن جهته، رأى القنصل الإسرائيلي السابق في نيويورك، ألون بنكاس، أن زيارة غانتس تثبت أن «نتنياهو لم يَعُد حليفاً للولايات المتحدة»، وأن نهجه كرئيس للحكومة «تحوّل إلى تحدٍّ كبير خلال الحرب»؛ إذ بات «الأميركيون الذين نفد صبرهم، مقتنعين بضرورة تجربة مسار سياسي مختلف». ووفقاً له، إنه من الصحيح أن الإدارة الأميركية مهتمّة بأن يتبنّى غانتس مخطّط بايدن، ولكنها مهتمّة أكثر «بالإضرار بموقف نتنياهو».