غزة | يتجنّب سكان قطاع غزة، بمن فيهم أولئك الذين يعيشون في بيئة حاضنة للمقاومة، ذكر أسماء المقاومين، لدى الحديث عن بطولاتهم وإبداعاتهم في ساحات القتال. إذ تعزّز بشكل كبير الحسّ الأمني في أوساط الأهالي، الذين باتوا ينظرون بـ«ريبة» إلى كلّ من يطلب لقاء عائلات الشهداء، في ظل السلوك الإسرائيلي الانتقامي الذي تسعر منذ بداية الحرب في القطاع، وشمل الإجهاز على عائلات المقاومين الذين شاركوا في عملية «طوفان الأقصى». حتى إنّ عائلات بعض الشبان الذي يستشهدون على محاور القتال، أصبحت تحتفظ، في كثير من الأحيان، بحزنها لنفسها، وتؤجل مراسم العزاء «حتى انتهاء الحرب». على أنّ بعض «الشخصيات» فرضت، بنفسها، حضوراً مميزاً، إن بسبب عبارة قالتها أو بسبب هيئة معينة ظهرت بها، وهو ما حالفنا الحظ بأن تمكنت عدسة «كاميرا المقاومة» من التقاط بعض جوانبه. من بين الشخصيات المشار إليها، «المقاوم الأنيق»، الذي ظهر في مقطع مسجل في معارك خانيونس، في مواجهة مع دبابة «الميركافا 4»، مرتدياً «الساكو الأسمر». وسرعان ما تحول إلى أيقونة ضجت بها مواقع التواصل الاجتماعي، رغم أنّ الصدفة، أو بالأحرى الضرورة - بعيداً من أي تكلّف مدروس -، هي من صنعت مثل ذلك الحدث، الذي يقدم لمحة عن نوعية الشبان، الذين أصبح من يتابعون المعركة عن بُعد، متشوقين للتعرف إليهم أكثر. «المقاتل الأنيق» هو حمزة هشام عامر، شابٌ في العقد الثالث من العمر. وإذ لم تسمح لنا الظروف الراهنة بالاقتراب أكثر من دائرته الضيقة، فإنّ أبرز ما يُعرف عنه أنه نجل الشهيد هشام عامر «أبو حمزة»، القائد الذي يحفظ أهالي مخيم خانيونس سيرته وصورته جيداً. فقد كان «أبو حمزة» واحداً من أبرز قيادات العمل الميداني في الانتفاضة الأولى عام 1987. وطبقاً لشهادات الأهالي، فإنّ المقاوم الأب، كان قائداً لخلية عسكرية مكونة من ثلاثة رجال، تسللت، في آخر أيام أكتوبر من عام 1992، إلى معسكر لجيش العدو غرب المدينة، حيث تمكن المقاومون الثلاثة من قتل حارس الموقع. آنذاك، اندلعت الاشتباكات، وأصيب «أبو حمزة» برصاصة متفجرة. وبعدما نجح رفاقه في الوصول به إلى المستشفى، وإدخاله إلى غرفة العمليات، فارق الحياة بعد ساعات قليلة، وإلى جانبه، سلاحه الشخصي.
أبرز ما يُعرف عن «المقاتل الأنيق» أنه نجل الشهيد «أبو حمزة» الذي يحفظ أهالي مخيم خانيونس سيرته جيداً


هكذا، تفصل ما بين رحيل الوالد المقاوم ونجله الأيقونة، ثلاث وثلاثون سنة، لم يتغير فيها شيء؛ فالعمل المقاوم لا يزال نفسه، والنهج لم يتبدل، والنهاية بقيت ذاتها، من دون أن تكون إسرائيل قادرة على فرض أي تغيير. وحالياً، ورغم الحرص على تغييب الأسماء، تطغى البطولات الأسطورية للمقاومين، الذين يخوضون ملحمتهم في الظلام، على الأحاديث في غزة، فيما يبقى ثابتاً أنّ «طوفان الأقصى» هشمت هيبة «الجندي والجيش» الإسرائيليين، بعدما كسر رجال المقاومة كل حواجز الخوف، وباتوا «يتلهون» بالآليات والدبابات والطائرات المسيرة، «ويهزؤون» بها حتى. والواقع أنّ ما لم تسجله الكاميرا ولم يروِ عنه رفاق الميدان بعد، أكثر بكثير مما شاهدناه، إذ إن آلاف الأيقونات في غزة لا تزال «مغمورة»، جنباً إلى جنب آلاف القصص التي سيحفظها التاريخ، ويتناقلها الأهالي جيلاً بعد جيل.