رام الله | مع بدء شهر رمضان، اتّجهت أنظار الفلسطينيّين إلى مدينة القدس، والمسجد الأقصى تحديداً، الذي شهد أول صلاتَي «تراويح» وفجر في الشهر، وسط إجراءات عسكرية مشدّدة، كانت قوات الاحتلال قد بدأت بفرضها في شوارع البلدة القديمة في المدينة وأزقّتها. وأعاقت هذه القوات، مساء الأحد، دخول مئات المصلّين إلى الحرم لأداء الصلاة، معزّزةً من قيودها عند بواباته، وفارضةً حظراً على دخول الشبّان، فيما سمحت فقط بدخول النساء، ومن هم فوق سن الـ40. كذلك، أجرت عمليات تفتيش دقيقة لحقائب النساء والفتيات قبل دخولهن إلى المسجد، بينما ذكرت مصادر مقدسيّة أنّ الشرطة الإسرائيلية استدعت آلاف المصلّين للتحقيق معهم، ولم تسمح تالياً سوى لعدد قليل بالدخول، ما اضطرّ الممنوعين إلى الصلاة في الأزقة والشوارع والأسواق المحيطة بالأقصى. لكن ذلك لم يرق على أيّ حال للعدو، ما دفع جنوده إلى الاعتداء على المصلّين بالضرب، ومنعهم من التجمّع داخل البلدة القديمة، أو في الشوارع المحيطة بالمنطقة.ومنذ السابع من أكتوبر، تفرض قوات الاحتلال حصاراً مشدّداً على المسجد الأقصى، وتمنع الدخول إليه والصلاة فيه. لكن مع دخول شهر رمضان، أفادت مصادر عبرية بأنّ رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، قرّر وضع قرار اقتحام شرطة الاحتلال باحات المسجد خلال رمضان، في يده، وليس في يد وزيره للأمن القومي، إيتمار بن غفير، في ما يبدو استجابةً لتحذيرات «الشاباك» وجيش العدو. ورأت المصادر أن قرار نتنياهو غير المعتاد، ينبع من التداعيات المحتملة لاقتحام الشرطة الإسرائيلية للأقصى في رمضان، كما يعبّر عن عدم ثقة «الشاباك» والجيش بالشرطة والمشرف عليها، بن غفير، الذي رفض رئيس الحكومة توصياته قبل أيام بعدم السماح لسكان الضفة الغربية بدخول المسجد، والسماح لمن هم فوق الـ70 عاماً من فلسطينيي الداخل بالدخول.
حذّرت «أمان»، قبل أيام، في وثيقة سرّية قدمتها إلى القيادة السياسيّة، من نشوب حرب دينيّة


على الضفة المقابلة، أشاد مدير المسجد الأقصى، عمر الكسواني، بتحدّي المقدسيّين والمرابطين لحواجز الاحتلال، في أول ليالي رمضان، قائلاً، في تصريحات صحافية، إن «هذا الشهر يختلف عن السنين السابقة، بالنسبة إلى كلّ ما يحدث في فلسطين»، مشدّداً على «أهمية المحافظة على الرباط في المسجد طوال شهر رمضان». كذلك، انطلقت دعواتٌ مقدسيّةٌ وفلسطينيّةٌ إلى النفير والحشد لأداء صلاة الفجر في الأقصى في أول يوم في الشهر، للذود عن المسجد وحمايته وكسر الحصار المفروض عليه. وتَكرّر مشهد مساء الأحد نفسه فجر أمس، حيث أقيمت الصلاة بمن حضر من النساء والكهول، واستمرّ قمع الاحتلال للشبان. ومع ذلك، دعا الحَراك الشبابي المقدسيّ إلى النفير العام وإغلاق كل مساجد القدس والتوجّه نحو الأقصى للصلاة فيه طوال أيام رمضان. كما أعلنت حملة «مسير الأقصى 3» استعدادها لتسيير حافلات من جميع محافظات الضفة في اتجاه المسجد، ضمن حملتها السنوية لإعماره، داعيةً أهالي الضفة والداخل المحتلّ إلى «شدّ الرحال إليه»، فجر الجمعة الأول من رمضان من كل مساجد الضفة. أيضاً، دعا ناشطون إلى التغريد على وسم «#رمضان_الطوفان»، رفضاً حرب الإبادة المستمرّة على قطاع غزة، فيما تداول آخرون على وسائل التواصل الاجتماعي منشورات وتصاميم تدعو إلى إعلان الإضراب الشامل، وإيقاف جميع مناحي الحياة، وذلك بعدما دعا الناطق باسم «كتائب القسام»، أبو عبيدة، الفلسطينيّين إلى استقبال شهر الصيام بالجهاد والرباط، والتوافد إلى الأقصى. ومن جهته، حذّر خطيب المسجد الأقصى في مدينة القدس، الشيخ عكرمة صبري، في تصريحات صحافية، من مفاجآت إسرائيلية خلال شهر رمضان، داعياً إلى شدّ الرحال إلى المسجد الأقصى، مذكّراً بأنه «في السنوات السابقة، كان هناك افتعال لمشكلات وتوتّرات من قِبَل الاحتلال في شهر رمضان؛ لأنه لا يريد أن يشاهد عشرات الآلاف يحتشدون في الأقصى». وشدّد على أنّ شدّ الرحال إلى المسجد «أمرٌ واجب، ومَن يمنع الاحتلال دخوله إلى الأقصى، فَلْيصلِّ حيث يُمنع».
وكانت قد أعلنت أجهزة الاحتلال، مع دخول شهر رمضان، حالة التأهّب القصوى لقواتها في أرجاء الضفة، في ظلّ تحذيرات من «تدهور أمني قد تصعب السيطرة عليه»، وذلك بعدما قرّرت الحكومة زيادة عدد الكتائب المنتشرة هناك. وذكرت «القناة 12» أنه مقارنة مع 12 كتيبة تنتشر حالياً في قطاع غزة، نشر جيش الاحتلال نحو 23 كتيبة في أنحاء الضفة، وقرّر تعزيز «فرق الاستنفار» (الفرق المتأهبة) - وهي ميليشيات مدنية تنضوي تحت قيادة الجبهة الداخلية -. كما نفّذت شرطة الاحتلال في القدس، خلال الأسبوعَين الماضيَين، عمليات اعتقال استهدفت نحو 20 مقدسياً بزعم الاشتباه بإقدامهم على «التحريض على الإرهاب»، بعد مشاركتهم مقاطع فيديو وثّقت جوانب من هجوم «طوفان الأقصى». وسبق أن حذّرت شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (أمان)، قبل أيام، في وثيقة سرّية قدّمتها إلى القيادة السياسية، من نشوب حرب دينية، معتبرةً أن «المحفّزات الدينية، وعلى رأسها (المسجد الأقصى)، قد تؤدي إلى إشعال الوضع وتصعيد متعدّد الساحات وحتى إقليمي في شهر رمضان، وتحويل الحرب إلى حرب دينية»، وهذا ما يتّفق مع تقييمات وزارة الجيش، والتي نبّهت إلى أنّ تصعيداً أمنيّاً في الضفة في شهر رمضان، سيصعّب تحقيق أهداف الحرب في غزة.