غزة | مع ساعات فجر أمس، وفيما كان الأهالي في البيوت ومراكز الإيواء يجهّزون ما يمكن أن يؤكل كوجبة سحور، شنت الطائرات الحربية أربع غارات طاولت منازل وأهدافاً في شمال غزة. واستهدفت إحدى هذه الغارات منزلاً تعود ملكيته لعائلة أبو حبل في حيّ تل الزعتر شرق مخيم جباليا، ليسوّى أرضاً، فيما تسبب التدمير الكلي للمنزل بما هو أشبه بزلزال في المنطقة، حيث تساقطت الحجارة على الشارع الرئيسيّ وما يحيط به، وأغلقته. على أن مشهد الصباح، اختلف تماماً في عصر اليوم ذاته، حيث تقف مذهولاً وأنت تشاهد أهالي الحي، وقد استعادوا نسق الحياة المعتاد، في الوقت الذي أعادت فيه مجموعة من الشبان إحياء الطقس الرمضاني المعتاد: لعب كرة الطائرة مع ساعات العصر.لا شيء في غزة يقف عائقاً أمام ممارسة الشعائر الرمضانية؛ فعلى الرغم من أن جيش العدو دمّر أكثر من ألف مسجد في شمال وادي غزة، صلّى الأهالي التراويح على مفترقات الطرق وأمام ركام المساجد. ومع أن سعر الطحين ارتفع إلى خمسين ضعف ثمنه الأصلي، إلا أن الباعة أعدّوا القطائف. «بدل ما نشتري كيلو، مثل ما كنا نعمل، لما كان سعره بـ 5 شيكل (1.5$)، بنشتري 10 حبات، وسعر الكيلو الآن 50 شيكلاً (15$)، المهم، القطائف قطائف»، تقول الحاجة أم خالد وهي تصطف في طابور طويل لشراء حلوى القطائف في شارع النفق. وتضيف الحاجة، في حديث إلى «الأخبار»: «فقدنا كل أنواع الطعام إللي ممكن نعملو، الملوخية لليوم الأول، كل أنواع اللحوم، السمبوسك، الشوربة. بناكل ما تيسّر، لكن والله الأجواء على الفطور حلوة، وعلى السحور أحلى، بنشرب كاسة شاي ومية، وبنحمد الله وبنشكرو».
الخروب وعرق السوس والتمر الهندي، هي المشروبات الرمضانية المحببة، التي كانت تضجّ بها شوارع القطاع في مثل هذا الوقت من العام في السنوات الماضية، في طقس يحرص الحاج أبو محمود على إحيائه. حين التقيناه في شارع الجلاء، أهدانا ابتسامته التي يستقبل بها كل زبائنه، قائلاً: «والله بفرح لمّا ألاقي وجه بعرفو لسّا عايش (...) كل شي غالي، والعمل مثل قلّتو في هيك ظروف، لكن ما بهون عليّا أقعد في البيت، من 40 سنة ببيع خروب وعرق سوس في رمضان»، مضيفاً: «السنة هذه، في مسؤولية وطنية وأخلاقية ودينية، إنو أطلع وأشوف الناس، حتى لو ما بدي إستفيد شي، إشعار الناس بالأمل، وإنو إحنا متمسكين بالحياة على هذه الأرض، هي رسالة سامية بحد ذاتها».
ليس بعيداً عن «أبو محمود»، التقينا «أبو أكرم» وهو ينظف فسحة مزروعة بالورود، في مقابل منزله، وقد فرغ لتوّه من تزيين مدخل البيت بالفوانيس وحبال الزينة. الحاج السبعيني، وهو معلم متقاعد، عايش كل الحروب منذ عام 1967 حتى «طوفان الأقصى»، يقول لـ«الأخبار»: «ما بيومي حبّيت زينة رمضان، أنا مخّي صعب شوية، بس هذه السنة، قررت أزيّن باب البيت، والبيت من جوّا، علقت صور ولادي الشهداء وحطيت تحت كل صورة فانوس، شعرت إنو صناعة الأمل والفرح مسؤولية علينا كلنا، عدوّنا بدو إيانا محبطين وجائعين ويائسين، لهيك الفرح أو حتى التظاهر بالفرح مقاومة».