غزة | بعد أيام حافلة بالعشرات من العمليات النوعية في قطاع غزة، انسحب جيش العدو من مدينة حمد السكنية شمال غرب مدينة خانيونس، عقب عملية استمرت نحو 13 يوماً. المدينة التي أُنشئت بتمويل قطري قدّمه الأمير السابق، حمد بن خليفة، عندما زار غزة عام 2012، تحتوي على 53 بناية، تتضمّن 3 آلاف وحدة سكنية. وأظهر انسحاب جيش العدوّ منها حجم الدمار الهائل الذي أتى على العشرات من أبراجها بشكل كلّي، فضلاً عن تدمير البنية التحتية للمدينة التي لم تعد صالحة للسكن. مشهد غير مستغرب بالنظر إلى السلوك العسكري الإسرائيلي الذي لم يُفلح في كل منطقة دخلتها دباباته، سوى في استعراض أعلى مستويات التخريب والتدمير لمنازل المدنيين وممتلكاتهم. أما من الناحية الميدانية، فليس للعدوّ أن يزعم، أنه حقق أيّاً من أهدافه، وخصوصاً أن أول من أمس كان يوماً مشهوداً لجهة حجم الضغط الميداني، الذي تضمّن كمائن نوعية وعمليات تفجير للآليات، دفعت بالطائرات المروحية إلى الهبوط عدّة مرّات لانتشال القتلى والجرحى. ويعني كل ذلك، أن السعي لتحقيق هدف «الموات الميداني»، أي القضاء على كلّ جيوب المقاومة في المنطقة التي يستهدفها الفعل العسكري، قد باء بالفشل.ولعل الحديث عن مدينة حمد يفرض مقاربة لحجم العجر الميداني لدى جنود العدوّ، الذين ضربوا حصاراً من الجهات الأربع، على المدينة الصغيرة التي لا تتجاوز مساحتها الـ 126 دونماً، أي أن وحدات المقاومين التي نفّذت، أول من أمس فقط، خمسة كمائن وثلاث عمليات استهداف للدبابات، كانت ولا تزال داخل «حمد». كما أن فكرة التطهير الدقيق، لكل بناية ووحدة سكنية على حدة، بقيت بعيدة عن مستوى جرأة جيش الاحتلال واستعداده للمغامرة والقتال. لذا، ترك العدوّ المدينة، والمقاومة هناك على أشدّها، وقد أُجبر على الانسحاب منها، بعدما فاقت خسائره طاقة التحمّل.
الخراب هو المنجز الوحيد لجيش الاحتلال الذي ترك كل موقع داسته آلياته، فيما المقاومة في أحسن أحوالها


مع ذلك، هدّد وزير جيش العدو، يوآف غالانت، الذي زار، أمس، منطقة في غرب مدينة غزة، مجدداً، بالوصول إلى «كل نقطة في قطاع غزة يظنّ العدوّ أننا لن نصل إليها»، في إشارة إلى مدينة رفح. وعلى رغم ما تقدم، فإن الوصول إلى رفح بحدّ ذاته لن يشكّل انتصاراً للاحتلال، إذ إن المرونة التي تحدّث عنها الناطق العسكري لـ«كتائب القسام»، «أبو عبيدة»، في خطاب مبكّر من خطاباته، كانت واحداً من التكتيكات التي أفضت إلى تحقيق قدر هائل من الخسائر في جيش العدوّ، من خلال استدراجه إلى الحواضر العمرانية الآمنة، التي أعدّت فيها المقاومة نفسها على نحو أفضل من المناطق الطرفية المكشوفة. كما أن تجربة كل العمليات الميدانية الإسرائيلية، من أقصى بيت حانون شمال القطاع، مروراً بحيّ الزيتون جنوب مدينة غزة، وصولاً إلى خانيونس ومدينة حمد والأحياء الشرقية في عبسان الكبيرة والقرارة في الجنوب، أثبتت أن الخراب هو المنجز الوحيد الذي حقّقه جيش الاحتلال، وأنه ترك كل موقع داسته آلياته، فيما المقاومة في أحسن أحوالها.