غزة | منذ أغلق مركز «نورة الكعبي» لغسيل الكلى أبوابه في شمال قطاع غزة، إثر تخريب الجزء الأكبر من معدّاته عقب التوغّل البري الإسرائيلي في منطقة تل الزعتر، دخل المئات من مرضى الفشل الكلوي في مرحلة الصراع مع الموت. وتقول أم أيمن، ذات الـ72 عاماً، التي تعاني من فشل كلوي حاد فرض عليها قبل الحرب زيارة قسم غسيل الكلى ثلاث مرات في الأسبوع، لـ«الأخبار»: «منذ بداية الحرب، قلّصوا الغسيل لمرتين في الأسبوع. وبعد ما خرج مركز الكعبي عن الخدمة، صرنا نغسل مرة واحدة في الأسبوع في مستشفى الشفاء، ثم قُلّصت المدة إلى ساعتين بدلاً من أربع ساعات. وحتى نعوّض قلّة الغسيل، صرنا حتى قبل رمضان نصوم خمسة أيام في الأسبوع، ونزيد من شرب المياه، لكن حتى الماء ملوّث».قبل ثلاثة أشهر، خلال الهدنة التي استمرت أسبوعاً، اجتهدت الطواقم الفنية لإعادة تشغيل مستشفى «نورة الكعبي»، لكن حجم الضرر في تمديدات المياه والبنية التحتية، حال دون ذلك، ما زاد الضغط على القسم الوحيد الخاص بغسيل الكلى، والذي أُعيد تأهيله عقب انتهاء العملية البرية في مستشفى الشفاء. ووفقاً لمصدر طبي، فإن عدد ماكينات غسيل الكلى التي لا تزال تعمل هناك، لا يلبي حاجة المرضى، الذين يعانون من تذبذب «بروتوكول» الغسيل، وانقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة، ما يحرمهم من فرصة الحصول على حقهم الطبي الكامل.
ما بين 1000 و1500 مريض في القطاع، تتفاقم حالتهم الصحية بسبب نقص الخدمة الطبية والعلاجية والأدوية


وبحسب «المرصد الأورو متوسطي لحقوق الإنسان»، فإن مرضى الفشل الكلوي في قطاع غزة عموماً يواجهون حكماً بالموت البطيء، إذ إن ثمة ما بين 1000 و1500 مريض منهم، تتفاقم حالتهم الصحية بسبب نقص الخدمة الطبية والعلاجية والأدوية، وانهيار المنظومة الصحية في كلّ مناطق القطاع. ووثّق المركز، وفاة 20 مريضاً بالفشل الكلوي على الأقل بفعل الهجمات العسكرية الإسرائيلية على المنشآت الصحية، في حين يتهدّد الموت حياة 60 مريضاً آخر، وصلوا إلى مراحل متأخّرة في المرض.
في شمال غزة، يعيش المرضى هموماً أخرى. في شارع الجلاء، وهو واحد من أطول الشوارع التي تربط شمال القطاع بمدينة غزة، يقضي الحاج أبو عزمي ساعات طويلة، وهو يدفع زوجته المريضة على كرسيها المتحرّك لنقلها إلى مركز غسيل الكلى، إذ تسكن المسنّة التي تضطر لزيارة مستشفى الشفاء مرة أسبوعياً، في مخيم جباليا، ولا تمتلك العائلة المال الكافي للوصول بالسيارة إلى المستشفى. ويقول أبو عزمي لـ«الأخبار»: «ارتفعت أسعار المواصلات، من 5 شواكل، ذهاباً وإياباً، في فترة ما قبل الحرب، إلى 50 شيكلاً (15 دولاراً) الآن. لا أحد بوسعه توفير مبلغ كهذا. أولويات الحياة كثيرة. أمضي ساعتين مشياً على الأقدام، في طريق الذهاب، وساعتين في طريق العودة (...) الله يعلم قدر التعب، لكن بيهون لأجل الحاجة».
وتوضح أمّ عزمي أنها والمئات من المرضى، يعانون من نقص حادّ في الأدوية، ويفضّلون الجوع والصوم لأيام، على الأكل، لأن كل طعام يتناولونه، سيضطرهم لغسيل الكلى أكثر، وهذا غير متوفر. لذا، فهم أمام خياري الموت جوعاً، أو الموت نتيجة عدم توفر «بروتوكول» العلاج في مستشفيات شمال القطاع.