تحوّل التفاؤل الذي كان المسؤولون الأميركيون يحاولون «بثّه» خلال الأسابيع الماضية، حول أنّ التوصل إلى هدنة جديدة في غزة بات قاب قوسين أو أدنى، إلى انقسام أكثر حدّة بين إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، وحكومة بنيامين نتنياهو، بلغ، أخيراً، مستوى غير مسبوق منذ بداية الحرب في أكتوبر الماضي، بسبب عدم استجابة الأخيرة لأي من المطالب الأميركية، بالرغم ممّا تتكبّده واشنطن من خسائر «في الداخل والخارج»، جراء دعمها المستمر للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة. وإلى جانب الانتقادات التي تستمر في الخروج إلى العلن بشكل غير اعتيادي، فقد باتت التهديدات الأميركية - والمدفوعة جزئياً بضغط من عدد ليس بقليل من المشرّعين الأميركيين -، تطاول أخيراً ملفات أكثر حساسية، بعدما بدأت بعض المصادر الأميركية تلوّح بإمكانية تخلي واشنطن عن دعمها لإسرائيل في «الأمم المتحدة»، «ومنع» القوات الإسرائيلية من استخدام الأسلحة الأميركية في حال قرّرت الأخيرة غزو رفح، وصولاً حتى إلى إصدار جهات استخباراتية أميركية تقارير تفيد بأنّ حكومة نتنياهو قد «لا تستمر» طويلاً.وإذ شكّلت تصريحات زعيم الأغلبية الديموقراطية في «مجلس الشيوخ» الأميركي، تشاك شومر، حول ضرورة إجراء انتخابات في إسرائيل، باعتبار أنّ نتنياهو «ضلّ طريقه»، وبات يقف عائقاً «أمام السلام في الشرق الأوسط ووضع حد للأزمة الإنسانية في غزة»، آخر مظاهر الانقسام المشار إليه، فإنّ جملة من المعطيات التي دأبت وسائل الإعلام الغربية على نشرها، خلال الأيام التي سبقت إعلان المسؤول الأميركي، كانت تدل على الهوة التي تزداد اتساعاً بين واشنطن وحليفتها. وفي السياق، أورد موقع «أكسيوس»، هذا الأسبوع، تقريراً جاء فيه أنّ وكالة استخبارات أميركية «كبيرة» خلصت في تقييمها السنوي حول التهديدات، الذي صدر في آذار، إلى أنّ «عدم الثقة في قدرة نتنياهو على الحكم» يتعمّق منذ بدء الحرب بين إسرائيل «وحماس» في أكتوبر. وتابع تقرير مكتب «مدير الاستخبارات الوطنية» أنّ «استمرارية نتنياهو كزعيم، وكذلك ائتلافه الحاكم المؤلف من الأحزاب اليمينية المتطرفة، التي تنتهج سياسات متشددة بشأن القضايا الفلسطينية والأمنية»، أصبحت على الأرجح معرّضة لـ«الخطر»، مشيراً إلى أنّ «أجهزة المخابرات الأميركية تتوقع اندلاع احتجاجات كبيرة تطالب باستقالة نتنياهو، وإجراء انتخابات جديدة في الأسابيع والأشهر المقبلة». وأردف أنّ هناك احتمالاً لوصول حكومة مختلفة «وأكثر اعتدالاً»، علماً أنّه بحسب موقع «أكسيوس»، فإنّه «من النادر جداً أن يتم إخراج مثل هذا التقييم للوضع السياسي الداخلي لزعيم حليف لواشنطن إلى العلن»، فيما يعتقد مسؤولون إسرائيليون أنّ مثل هذه الخطوة ما كانت لتحصل من دون إذن من البيت الأبيض. وسرعان ما تصاعد الصدام العلني بين بايدن ونتنياهو في أعقاب صدور التقييم؛ إذ اتهم مسؤول إسرائيلي كبير، إدارة بايدن، بمحاولة «تقويض» حكومة الاحتلال الإسرائيلية. وفي تقرير منفصل، تحدّث الموقع الأميركي نفسه عن «حديث مسرّب» لبايدن مع أحد المشرّعين الديمقراطيين، في أعقاب «خطاب الاتحاد» الذي ألقاه منذ نحو أسبوع، يقول فيه إنه سيتوجب على نتنياهو القدوم لحضور «لقاء بالغ الأهمية» لبحث الحرب في غزة. وفي وقت سابق، قال مسؤولون أميركيون إنّ أي عملية عسكرية إسرائيلية محتملة في رفح ستؤدي على الأرجح إلى تحول كبير في السياسة الأميركية، بما يشمل امتناع واشنطن عن الدفاع عن إسرائيل في «الأمم المتحدة»، أي بالتالي السماح لأي قرار بوقف فوري لإطلاق النار بالمرور، وفرض قيود على استخدام القوات الإسرائيلية للأسلحة الأميركية. كما أنّ ساكن البيت الأبيض كان قد حدّد، هذا الشهر أيضاً، أول «الخطوط الحمر» للعدوان الإسرائيلي، والمتمثل في شن هجوم على رفح، مشيراً إلى أنّه لا يمكن قتل «30 ألف فلسطيني آخرين خلال عملية مطاردة (حماس)»، في إقرار علني نادر بعدد الشهداء الفلسطينيين الذين سقطوا منذ بداية العدوان.
يحذّر مراقبون من حدوث أزمة غير مسبوقة في العلاقات الأميركية - الإسرائيلية، قد تطاول ملف إمدادات الأسلحة


من جهتهم، أثار أكثر من ثلاثين عضواً من «الحزب الديمقراطي» في «مجلس النواب»، بداية الشهر الجاري، في رسالة إلى بايدن، قضية مذكّرة كان قد وقّعها الأخير، الشهر الماضي، تجبر أي متلقّ للمساعدة الأميركية على تقديم «ضمانات مكتوبة وموثوقة» بأنه سيمتثل للقانون الدولي، لافتين إلى أنّ أي «غزو محتمل لرفح سيتعارض على الأرجح مع المذكّرة». كما اعتبر المشرّعون أنّه ليست هناك أي خطة «ذات مصداقية» لحماية المدنيين، لدى إسرائيل بعد، حاثّين بايدن على استخدام «كل أداة في يده لضمان أنّ جميع المستفيدين من المساعدات الأميركية يخضعون للمساءلة بناءً على الالتزامات التي تنص عليها المذكّرة».
وكردّ على ذلك، وقّع وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت، أمس، رسالة موجهة إلى إدارة بايدن، يزعم فيها أن «إسرائيل ستستخدم الأسلحة الأميركية وفقاً للقانون الدولي، وستسمح بدخول المساعدات الإنسانية التي تدعمها الولايات المتحدة إلى غزة». بدورها، نقلت صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية عن مارتن إنديك، سفير الولايات المتحدة السابق لدى إسرائيل، قوله إنّه يجب على الأخيرة أن تفهم أن مستوى الإحباط لدى إدارة بايدن بشأن «سوء التعامل مع الوضع الإنساني في غزة» قد وصل إلى «حده الأقصى»، وأنّه «إذا شنت إسرائيل هجوماً على رفح من دون توفير الحماية الكافية للسكان والنازحين، فقد يؤدي ذلك إلى حدوث أزمة غير مسبوقة في العلاقات الأميركية - الإسرائيلية، قد تطاول ملف إمدادات الأسلحة».
على أنّ تصريحات بايدن، على غرار الخطوات «الاستعراضية» التي اتخذها أخيراً لـ«إدخال المساعدات إلى غزة»، من مثل إنشاء «ميناء بحري مؤقت»، وتنفيذ إنزال جوي للمساعدات، لا تعني، بطبيعة الحال، أنّ الرئيس الأميركي يستعد لـ«التخلي» عن إسرائيل، بل هو يحاول، طبقاً لمراقبين، «فصل» نفسه عن نتنياهو، وأفعال حكومته المأزومة، والعاجزة عن تحقيق أي هدف فعلي في عدوانها، بالنظر إلى الضرر الذي لحق بالأول بسبب الأخير، إنّما مع «التمسك»، في الوقت، عينه بأمن إسرائيل، وهو ما برز خلال دفاع واشنطن عن حليفتها أمام «محكمة العدل الدولية»، واستمرار استخدامها لـ«الفيتو» في «مجلس الأمن» لمنع حصول أي وقف دائم وفعلي لإطلاق النار.