رام الله | تزدري إسرائيل المنظومة الدولية برمّتها، حين يتعلّق الأمر بانتقاد احتلالها وجرائمها، وهي ليست مبالية، على أيّ حال، بالمنظومة الحقوقية والقانونية، ولا بمواقف دول العالم، حتى تلك الصديقة منها، حين لا توفّر لها الغطاء المطلوب. وعلى وقع العدوان على قطاع غزة، وانفلات عقال المستوطنين في الضفة الغربية، حيث يرتكبون جرائم قتل وسرقة وتهجير، لم يَرُق لكيان الاحتلال ووزراء حكومته، تعرُّض مستوطنيه - المصنّفين غير قانونيين بموجب القانون الدولي - للانتقاد، وصولاً إلى فرض بعض الدول عقوبات على عدد قليل منهم.وعلى خطى الولايات المتحدة، مضى الاتحاد الأوروبي، أخيراً، في قراره فرْض عقوبات فردية على مستوطنين شاركوا في أعمال عنف ضدّ الفلسطينيين، وهو ما بدأ تطبيقه اعتباراً من يوم الإثنين الماضي، فيما بدا لافتاً توصّل جميع دول الاتحاد الأعضاء، الـ27، إلى اتفاق في هذا الشأن، ووضْع قائمة بالأشخاص الذين تمّ تحديدهم على أنهم مسؤولون عن أعمال العنف، علماً أن القرار يشمل حظر الدخول إلى أراضي دول التكتُّل، وتجميد أو مصادرة الأصول الموجودة داخلها. لكن هذه العقوبات تبدو بلا أيّ قيمة، كونها لم تَطَل سوى بضعة مستوطنين، في حين أنها لا تمسّ المنظومة الواسعة العاملة في مجال تشريع الاستيطان، وتوسيعه، وتجييش المستوطنين وتحريضهم على شنّ هجمات إرهابية ضدّ الفلسطينيين، والتي تشمل وزراء في الحكومة الإسرائيلية، على غرار وزير المالية، بتسلئيل سموتريتش، الذي دعا - مثلاً - إلى حرق قرية حوارة الفلسطينية عن بكرة أبيها.

أجبر مستوطنون، خمس عائلات بدوية، على الرحيل تحت تهديد السلاح، من تجمُّع تسكنه منذ السبعينيات (أ ف ب)

ومع ذلك، يتحدّى قادة الاحتلال بوضوح تلك العقوبات، ليس فقط بالتصريحات الإعلامية، بل أيضاً بالسياسات والقرارات، إذ يعمل سموتريتش حالياً من أجل تعيين مستوطن في منصب نائب رئيس «الإدارة المدنية»، ونقل صلاحيات واسعة إليه، في شأن منع إنفاذ القانون على البناء غير المرخّص في المستوطنات والبؤر الاستيطانية العشوائية. ووفقاً للمصادر العبرية، يسعى وزير المالية إلى تعيين هليل روت، من مستوطنة «يتسهار» (معقل المستوطنين المتطرّفين) جنوبي نابلس، في المنصب المذكور، في خطوة ستجبر قادة الشرطة والجيش على تقديم تفسيرات أمام روت حول قرارات هدم مبانٍ غير مرخصة.
ونقلت صحيفة «هآرتس» العبرية عن مسؤولين في جهاز الأمن الإسرائيلي، قولهم إن «خطّة سموتريتش ستؤدي إلى وضع يكون فيه ضباط كبار في الجيش الإسرائيلي خاضعين لجهات مدنية تم تعيين المسؤولين عنها لاعتبارات سياسية». ووفقاً لأحد هؤلاء المسؤولين، فإن خطّة سموتريتش «ستنشئ وضعاً يتمكّن فيه رؤساء مجالس إقليمية استيطانية وقادة المستوطنين من ممارسة ضغوط كبيرة على قادة الألوية الذين لن يسارعوا إلى إصدار أوامر بهدم المباني غير المرخصة». وقال المصدر: «سيكون من الصعب على قائد لواء توقيع أمر لتفكيك أو هدم مبنى غير قانوني في البؤر الاستيطانية العشوائية، لأن السكان وقادة المستوطنين سيتمكّنون من ممارسة ضغوط على ذلك الضابط».
طال الترحيل القسري 28 تجمّعاً بدوياً في الضفة الغربية


لكن المستوطنين يضربون عرض الحائط بما تسمّى «العقوبات الدولية» على بعضهم، ويواصلون هجماتهم على الفلسطينيين، والتي كان آخرها إجبار مجموعة منهم، خمس عائلات فلسطينية على الرحيل من تجمُّع تسكنه منذ السبعينيات، وهو خطر يهدّد باقي سكان التجمّع. وهاجم مستوطنون، مساء الأحد، عائلات بدوية في منطقة السُّخن شرقي مدينة نابلس (شمالي الضفة)، ومنعوا أفرادها من رعي أغنامهم في المراعي، وحجبوا عنهم المياه. ونتيجة استمرار المضايقات، أُجبرت خمس عائلات بدوية، يبلغ تعداد أفرادها نحو 30 شخصاً، على الرحيل تحت تهديد السلاح، وهو المصير الذي بات يهدّد سكان تجمع السُّخن المقدر عددهم بنحو 200 شخص، يعيشون على تربية المواشي ورعيها.
ومنذ السابع من أكتوبر، طال الترحيل القسري 28 تجمّعاً بدوياً في الضفة الغربية، يعيش فيها أكثر من ثلاثة آلاف شخص، في حين أظهرت معطيات «هيئة مقاومة الجدار والاستيطان» (حكومية) تنفيذ المستوطنين 2410 اعتداءات ضدّ الفلسطينيين وممتلكاتهم في الضفة خلال عام 2023، قتل على إثرها 22 فلسطينياً، من بينهم 10 بعد السابع من أكتوبر.