تتجاوز الشهادات التي تخرج يومياً عن فظاعات يرتكبها جيش العدو بحقّ المحاصَرين في مستشفى «الشفاء»، حدود المتوقَّع. تُشعرك السيدة أم عماد، بعدما استطاعت الخروج من أحد المباني التي أُخليت تماماً من قاطنيها، وهي تحكي أهوال ما عايشته طوال أربعة أيام من الحصار، بأن أفراد عصابة من مصّاصي الدماء، وليسوا من البشر، هم مَن ينفّذون المذبحة الحالية: «حفروا سرداباً عميقاً في الأرض مقابل المبنى، وأغرقوه بمياه الصرف الصحي، ثم أمرونا بالخروج فقط بملابسنا وهويتنا الشخصية، أجبرونا على العبور من مياه المجاري التي أغرقتنا حتى صدورنا، وهم يتبادلون الضحكات». تتابع السيدة التي تجاوزت الخمسين من العمر: «في كل مبنى اقتحموه، أطلقوا الكلاب لتنهش أجساد المرضى وكل مَن تقابله. وفي ساحة المستشفى، أطعموا جثث الشهداء الذين أعدموهم لكلابهم المسعورة».في شهادات الناجيات، يكثر الحديث عن تحرّش جنود العدو بالنساء؛ ووفقاً لشهادة مسجّلة قدّمتها الناجية جميلة الهسي، فإن جنود العدو اغتصبوا العشرات من النساء، ونفّذوا إعدامات دهساً بالجرافات. وحتى مساء أمس، كان جيش العدو قد أعلن أنه قتل 140 شخصاً في مستشفى «الشفاء»، واعتقل نحو 800 آخرين، غير أن شهادات الناجين تؤكد أن مئات الشهداء قضوا تحت ركام منازلهم التي سوّاها الاحتلال بالأرض في محيط المستشفى. هنا، تنتشر جثامين الشهداء في كل شارع مرّت منه النازحة ندا سالم، التي تقول لـ»الأخبار»: «خرجت من البوابة الشرقية للمستشفى، شاهدت أكثر من 30 شهيداً في طريق لم يتجاوز طوله الـ40 متراً، ومشيت في شارع الوحدة، شاهدت العشرات من الشهداء الذين قضوا نتيجة القصف أو القنص أو الحرق. هناك جثث متفحّمة في كل مكان». وتضيف سالم: «سمعنا صراخ عائلات اقتحم الجيش منازلها في محيط الشفاء. صار مفهوماً ما يجري: يُدخل الجيش كلابه المفترسة، تنهش لحم كل مَن يقابلها، تَعدم الرجال أو تحرقهم أو تعتقلهم، ثمّ تطلب من النساء النزوح إلى جنوب القطاع من شارع الرشيد، وفي الطريق، يُقتل من يُقتل وينجو من ينجو».
على الطرف الجنوبي من شارع الرشيد، ضجّت مواقع التواصل الاجتماعي، أمس، بمشاهد الأطفال الذين يجبرهم جيش العدو على خلع ملابسهم، وهم يقطعون عدة كيلومترات جرياً على الأقدام، بينما تلاحقهم طائرات «الكواد كابتر». هذا المشهد، ليس سوى جزء من الروتين الذي صار معتاداً، إذ أصبحت التعرية من الملابس، والسحل على الركام والرمال، هما السلوك المرافق لكل عملية اعتقال أو تهجير. على أن كلّ ما تقدَّم من فظاعة، ليس سوى ما رأته عيون المحاصَرين، الذين يحرمهم جيش العدو من تناول الطعام وشرب المياه منذ ستة أيام، من ثغرات الجدران وأثناء خروجهم. أما الصورة الكاملة للحدث وشهادات من نجوا، فما زالت خبيئة الظلام، في انتظار أن يكشف انسحاب العدو حقيقة ما حدث، إنْ بقي هناك من شاهد.