رام الله | وجَّهت المقاومة في الضفة الغربية، ضربةً قاسية جديدة إلى المنظومة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية، وذلك عبر عملية نوعية كشفت عنها «سرايا القدس - كتيبة طولكرم»، وسط تكتُّم شديد من قِبَل الاحتلال. وفي الساعات الأولى من فجر أمس، دوّت مكبّرات الصوت في مساجد طولكرم مع إطلاق رصاص في الهواء ابتهاجاً بالعملية، التي أكّد مقاومون انتشروا في شوارع مخيم نور شمس أنهم نفّذوها «انتقاماً وثأراً» لأربعة شهداء اغتالهم الاحتلال في المخيم، قبل أيام. وبعدها بدقائق، أعلنت «الكتيبة»، في بيان، أن مقاتليها نصبوا كميناً لسيارة مدنية يستقلّها ضابط إسرائيلي وثلاثة جنود شمالي طولكرم، وأوقعوهم قتلى. وبحسب ما جاء في البيان، فإن مقاتلي «كتيبة طولكرم» تمكّنوا من الدخول إلى الأراضي الفلسطينية المحتلّة بعدما تجاوزوا السياج الشائك ونصبوا كميناً عند بوابة دير الغصون العسكرية إلى الشمال من المدينة، حيث راقبوا تحركات جيش العدو، وفور وصول مركبة مدنية يستقلّها الضابط والجنود، أطلقوا النار عليهم بشكل مباشر وأجهزوا عليهم، ما أدّى إلى انقلاب مركبتهم، بينما انسحب المقاومون من المنطقة بسلام.وفيما لا يزال الاحتلال يتكتّم على ما جرى، أكّدت مصادر محلّية أن الجيش الإسرائيلي بدأ، عقب صدور بيان «الكتيبة»، تنفيذ عمليات تمشيط، وسط انتشار واسع لقواته في كلّ أرجاء المنطقة الحدودية في بلدة دير الغصون عند البوابة ومنطقة الجاروشية، كما اقتحمت آلياته أطراف طولكرم وبلدة عتيل القريبة منها. وكانت المقاومة قدّمت تفاصيل دقيقة وواضحة عن الكمين المحكم، تُظهر أولاً وجود معلومات مسبقة وعملية رصد لدى مقاتليها الذين تمكّنوا من اقتحام السياج الشائك الفاصل بين الضفة والداخل المحتلّ، حيث انتظروا المركبة المعروفة لديهم، كما عدد وهوية مَن فيها. ولا يُعدّ مستغرباً اتّباع جيش الاحتلال سياسة التكتّم إزاء بعض العمليات والخسائر البشرية، ولا سيما أنه اتّبعها في الكثير من الأحداث الأمنية، التي يُخضعها لعدم النشر، ومنها على سبيل المثال إعلانه، السبت في 23 من آذار، عن إصابة خمسة جنود في عملية تفجير عبوة ناسفة في منطقة صوفين في مدينة قلقيلية حدثت قبل شهر.
وتُعدّ العملية في ذاتها حدثاً نوعياً، من شأن الإقرار بها أن يفجّر غضباً كبيراً في الشارع الإسرائيلي، ولا سيما في المستوطنات القريبة من جدار الفصل العنصري والسياج الشائك، حيث يعيش مستوطنوها، منذ «طوفان الأقصى»، «فوبيا» تكرار ما حدث في «غلاف غزة»، فيما لم يتوقّف الإعلام العبري عن رسم سيناريوات عملية مشابهة في الضفة يتمكّن خلالها المقاومون من اقتحام المستوطنات الحدودية والسيطرة عليها. لا بل ذهبت بعض وسائل الإعلام إلى القول إن المقاومين في مخيم جنين يتدرّبون حالياً على هكذا خطّة لتنفيذها، في حين زعم المستوطنون، قبل أيام، سماعهم أصوات حفر في الليل تحت الأرض، وهو ما استدعى انتشار الجيش وتفتيش المنطقة.
تُعدّ العملية في ذاتها حدثاً نوعياً، من شأن الإقرار بها أن يفجّر غضباً كبيراً في الشارع الإسرائيلي


وتزامنت عملية طولكرم، مع إعلان جيش الاحتلال، السبت، مقتل ضابط صف من وحدة «دوفدوفان» وإصابة ضابط آخر وجندي بجروح خطيرة إضافة إلى 4 آخرين في العملية التي نفّذها مجاهد بركات منصور في قرية دير بزيع قرب رام الله، الجمعة، واستشهد فيها بعد اشتباكه مع الجنود على مدى ساعات. وكشفت وسائل الإعلام العبرية تفاصيل جديدة عن العملية ومنفّذها، إذ ذكرت إذاعة جيش الاحتلال أن بركات غادر منزله في قرية دير بزيع بعد منتصف ليل الجمعة بقليل، وأطلق الرصاصة الأولى عند الساعة 5:15 فجراً، أي أنه استغرق خمس ساعات في تجهيز المنطقة ومواقع إطلاق النار والمواقع الصخرية التي سيحتمي فيها لاحقاً. ولفتت إلى أن قوات الاحتلال أطلقت على مجاهد 12 قنبلة يدوية وثلاث طائرات انتحارية، لكنها فشلت في القضاء عليه، إذ واصل القتال بما تسلّح به من ذخيرة قوامها ما بين 70 و80 رصاصة لسلاح القنص الذي بحوزته، إضافة إلى عبوة ناسفة محلية الصنع لم يتمكّن من استخدامها، كما كان يرتدي درعاً عالي الجودة يوفّر له حماية إضافية. ووفق إذاعة الجيش، فإن الرصاصة القاتلة التي أصابت الجندي القتيل خرجت من مسافة قريبة، إذ كان على بعد حوالى 20 متراً فقط من الشهيد. ومن جهته، وصف المراسل العسكري لـ»القناة 13» العبرية، أو هيلر، عملية بركات بأنها «حادثة سيئة وقاسية وكادت أن تنتهي بسبعة قتلى»، مشيراً إلى أن رئيس أركان الجيش، هرتسي هاليفي، حضر شخصياً من أجل التحقيق في سبب استغراق عملية تصفية شخص واحد خمس ساعات. كذلك، علّق محلل الشؤون السياسية في «القناة 13»، أيال بروكوفيتش، على العملية، قائلاً: «دائماً يقولون لنا إن لدينا أفضل جيش في العالم، وفي كل مرّة نرى إخفاقاً جدّياً. في كل أسبوع، هناك إخفاق آخر، لا يمكن قبول أن قناصاً يتجوّل ببندقية ولا يستطيعون قتله خلال خمس دقائق».
من جهتها، سلّطت «يديعوت أحرنوت»، في تقرير مطوّل، الضوء على الأوضاع الأمنية في الضفة، مشيرة إلى أن مستوى عمليات المقاومة في المنطقة في تزايد، ما يجعلها ساحة قتال ثانية حقيقية وثقيلة، مضيفة: «في كل لحظة يمكن أن تكون هناك عملية للمقاومة في الضفة الغربية. العمليات الأخيرة تُظهر أن كميات السلاح والذخائر المنتشرة في الضفة لا تنتهي، وكل شخص يريد تنفيذ عملية يمكنه الحصول على سلاح، من الأسلحة الأوتوماتيكية وحتى المتفجّرات والأسلحة المصنّعة محلّياً». وأشارت الصحيفة إلى مخاوف الاحتلال من وصول متفجرات ذات جودة إلى الضفة، لافتةً إلى أن أبرز القضايا المقلقة بالنسبة إلى الجيش، هي انتشار عمليات المقاومة في كل أنحاء الضفة، علماً أن تركيزه كان ينصبّ في السابق على شمال المحافظة، حيث العمليات المكثّفة.