سمير يوسفلكِ هذه الغرفة الصغيرة وكلّ الليل والراديو، لعلّ أغنية جيّدة، يا ضيْفتي في هذا الدجىّ، تستبيحُ الأثير. أن أحلم بالطقس الذي يناسبكِ يا عزيزتي، أن أرى المدينة برمّتها تتقوقع بالرماديّ فقط لأنّ ثيابكِ الداخليّة حمراء. هذه الألفة لا تقف هنا إنّما تتعدّاها إلى بعد آخر يصيبني ويصيب غيري لكنه أتعبني أنا بشكل خاص. ليس الأمر في أن أنزع عنكِ ثيابكِ، إنما هو في أن أعرّي هذه المدينة التي تتجه أكثر فأكثر نحو البرقع، الذي تغرق بين طيّات قماشه والتي، على ما يبدو، لم يعد أحد يقوى على إخراجها من هذا المغطس. أن أعرّيها أو ألبسها كما أريد حتى تناسب شعركِ الموسكوفيّ العتيق. المشكلة هي أن تلك المدينة ذاتها التي تدّعي التقوى تتعرى وتعهّر في الناحية الأخرى بشكل أخرق، حتّى إن صعاليكها صاروا تجّاراً ودعاة فنّ وحضارة. كيف لي أن أرى قامتكِ في الشارع، أن أصلّي لكِ والشارع ملعب لحرب عنصرية وطائفية ومذهبية وجنسيّة خبيثة.
الآن منتصف الليل وأنا لا أملكُ حلّا، أقدم لكِ فقط هذه الغرفة الصغيرة مع الراديو الصّيني الصنع ولو أنّه لا يرتقي عموماً إلى جسدكِ و أناقتك. بعد أن تغلقي الباب، سأسند رأسي إلى الحائط وأرسلُ أمنية إلى الفضاء الجامح كي يأتيكِ بأغنية «profond» لـ«بريجيت فونتان»، أو أيّ شيء، أيّ شيء غير هذه الهرطقات التي سرقت منّا صباحات فيروز وأغاني الثمانينيات وغيرها الكثير. سأدعو نفسي أيضاً قزم الأحلام حتى تفاجَئي بي أقصّ عليكِ السخافات، إذا ما سقط جفنكِ ضحيّة ملائكة النعاس، واجتزت العتبة نحوَ أثيرك الخاص.

الهرطقات سرقت منّا صباحات فيروز وأغاني الثمانينيات

كانت الهرطقة جريمة خلال عصور كثيرة في حياة البشر، وكانت عواقبها وخيمة. أنا اليوم مع إعادة تصنيفها بهذا الشكل، كما في القرون الوسطى، وكفى تفاهات وديموقراطيّة. أو إذا ما أصرّ أهل سقراط أو فلاسفة الدولة العظيمة على الديموقراطيّة فليجعلوا فيها فروعاً للتعهير والفخفخة والسرقة والإجهاض والبورنوغرافيا وبديلها المتاح، «المياعة ـــــ غرافيا»!
لكنّ الإشكال سيكون آنذاك بالتصنيف، فمن هي السلطة التي تحدّد ما الهرطقة وما الإنتاج؟
في إحدى الليالي كنتُ أقود عائداً إلى المنزل وسمعتُ أحد سلاطنة الطرب من الحداثة ينسب إلى نفسه إحدى الأغنيات «الضاربة». «أنا من أنتجها وعمل جاهداً عليها واليوم أعمل مجدّداً عليها رغم الخلافات والجدالات الصحافيّة مع من غنّوها من بعدي». أضاف: «إنيّ اليوم أُدخل بعض التعديلات على خلفيّة الأغنية، ستكون أشياء كأصوات قطعان الغنم أو الماعز». الرجل هذا، كان يتكلّم بكلّ
جديّة!
أنا لا أملكُ شيئاً، هذا الراديو صيني، لكن رجاءً لا تكسريه لعلّ موسيقى جيّدة تتسرب إلى هذا الأثير الوطني.