أصدر محافظ بيروت بالتكليف ناصيف قالوش، قراراً عدّل فيه التعرفة التي تستوفيها المرائب الخاصة في نطاق مدينة بيروت الإدارية. يقول القرار: «تحدد التعرفة القصوى التي تستوفيها المرائب التي تعمل بالأجرة في نطاق مدينة بيروت الإدارية، بحيث تصبح 2000 ليرة لبنانية للمرائب المكشوفة و2500 للمرائب المسقوفة ضمن الأبنية. وذلك عن يوم كامل اعتباراً من 7 صباحاً حتى 5 من بعد الظهر»
رنا حايك
أصبح مبلغ الألفي ليرة بمثابة الحد الأدنى في سوق الخدمات اللبناني. فبعدما ارتفعت تعرفة راكب السرفيس من ألف وخمسمئة ليرة لبنانية ضمن بيروت الإدارية إلى ألفي ليرة، وهو نطاق يعدل السائق «حدوده» الجغرافية حسب ما يظن أن "الألفين فيها توصلك»، رفع محافظ بيروت بالوكالة ناصيف قالوش بدوره تعرفة موقف السيارات الخاصة أيضاً إلى ألفي ليرة للمرائب المكشوفة وألفين وخمسمئة للمرائب المسقوفة. ما جعل مبلغ الألفي ليرة يتكرّس كحد أدنى للخدمات. لكنه، كما سبق أن قلنا، ليس سوى حد أدنى. فبعض المواقف تطلب 3000 ليرة وما فوق بناءً على عدد الساعات التي تبقى فيها سيارتك مركونة، أو كمية الطلب على المرأب في بعض المناطق المزدحمة في بيروت مثل محيط الجامعة الأميركية والحمرا عموماً أو الأشرفية على سبيل المثال.
أما طريقة الحسبة، فقد ابتدع أصحاب المواقف الكثير منها: بعضهم يحسب أول ساعتين بـألفين، تزيد ألفاً في كل ساعة إضافية، أو ألفين «مقطوعة» لكل الساعات الإضافية مهما بلغ عددها.
وحتى حين تكون التعرفة 1500 ليرة، تصبح فعلياً ألفين، لأن الكثير من الموظفين يتبرّمون من إعادة الـ500 ليرة من أي ألفين يتلقونها: «لا يردّ صبي الموقف الـ500 إلا إذا طالبت بها. وإذا ردّها يرفقها بجملة ولو عـ500 يا مدام!»، تقول ماي سحاب.
في السياق نفسه، امتنعت مهى الناطور عن ركن سيارتها في الموقف المحاذي لمكان عملها، لأنها سمعت ذات مرة موظّفيه يتحدثون بكلام بذيء عن الفتاة التي حاسبتهم قبلها مباشرة ولم تترك لهم الـ500 الباقية من الألفي ليرة.
تتعلّق احتجاجات المواطنين خصوصاً بحجم المبالغ التي يدفعونها يومياً لركن سياراتهم، وبالاستنساب الذي يتعرّضون له. فمن ناحية المبالغ، قد يضطر الزبون لدفع ألفي ليرة مقابل 10 دقائق فقط. أما إذا كان عليه القيام بمشاوير عدة، فقد تذهب عشرة آلاف ليرة من ميزانيته اليومية لمواقف السيارات، ما دفع بصبحية نجار إلى اتخاذ قرار القيام بمشاويرها بالسّرفيس، لأنه «أوفر وأهنأ بالاً».
أما من ناحية الاستنساب، فالموظف يشترط أحياناً أن يترك السائق مفاتيح سيارته في عهدته، «ما يرفع احتمالات إصابة السيارة بخدوش» كما تقول ماري مزهر «لأنهم يريدون كسب العدد الأكبر من الزبائن، فيركنون كمية من السيارات تفوق القدرة الاستيعابية للموقف».
والأمر لا يقتصر على الخدوش فقط في هذا المجال، فقد تكلّف غسان سحاب، بالإضافة إلى الألفي ليرة التي دفعها للموقف، مبلغ 500 دولار ثمناً لترك مفتاح سيارته مع الموظف: «كنت مريضاً وطريح الفراش منذ شهر. نزلت من بيتي يومها فقط لإجراء فحص للدم. تركت السيارة في عهدة الموظف، وعدت لاستلامها ترشح زيتاً. لا، لم تكن تلك معجزة! بل كان «كارتير» الزيت مثقوباً لأنها، بحسب الميكانيكي الذي اصطحبتها إليه، قد تعرّضت لضربة قوية خلال وقوعها في حفرة».
كانت التعرفة محددة بنصف ليرة في مواقف بيروت خلال الستينيات بحسب الحاج محمد صيداني، صاحب أحد المواقف الصغيرة في شارع الحمرا: «لا أتقاضى أكثر من 1500 ليرة على السيارة. وأحياناً 1000 إذا كان الزبون سيعود في غضون دقائق. وبما أن الموقف صغير، فمدخولي لا يتخطى الـ50 ألف ليرة في اليوم». لكن الحاج محمد يمثّل استثناءً، فالمواقف الأخرى، الأوسع، التي تتقاضى مبالغ تصاعدية بحسب عدد ساعات الركن، قد تصل غلّتها اليومية إلى 600 ألف ليرة في هذه السوق المربحة والمنفلتة.
أما عامل الموقف، فلا يتوانى عن ممارسة دور «سلطوي» على... الزبون. فقد أصبح يحاسب الزبائن كأب يمتلك السلطة لسؤالهم: «مأخّرين؟» ليقرّر، بحسب الإجابة، السماح لهم بركن سياراتهم في عهدته أو لا. تسبّب هذا الموقف بمشادة بين أحد هؤلاء الموظّفين وماي، التي استفزّها سؤال: «لوين رايحة وقديش مأخرة؟»، إذ سرعان ما صرخت في وجه الموظف الذي سألها «وإنت شو خصّك؟ أهلي ما بيسألوني هالسؤال»!
والأهل يمتلكون الحق في السؤال والمساءلة لأنهم مسؤولون عن أطفالهم مادياً، ويدفعون لهم «الخرجية». أما في «الباركينغ»، فيسأل الأخير رغم أنه هو الذي يدفع. ويدفع على هوى صاحب العقار.
وفي اتصال هاتفي معه، أكّد محافظ بيروت ناصيف قالوش لـ«الأخبار» أن «المحافظ يحدّد التعرفة، لكن لا دخل له بالرقابة» على تنفيذها كما قال. أما بالنسبة لموظفي المواقف فقد تفاوتت أجوبتهم عمّا إذا كانوا يتعرضون لرقابة من الدولة أم لا. فقد أكّد بعضهم لـ«الأخبار» «مرور مراقبين كلّ شي 15 يوم» فيما أكّد آخرون أنه «من 10 سنين ما حدا طلّ صوبنا». لذا اتّصلت «الأخبار» بالمحامي وجدي حركة، عضو الهيئة الإدارية في جمعية المستهلك، لاستطلاع الوضع القانوني للرقابة على المواقف. وبعدما شدّد حركة على ضرورة تنظيم الرقابة على تعرفة المرائب في بيروت، مشيراً إلى المادة 659 من قانون حماية المستهلك بالتحديد التي تنصّ على أن «مديرية حماية المستهلك في وزارة الاقتصاد مولجة بسلامة السلع والخدمات وحركة الأسعار»، شرح أن هذه الآلية غير مطبّقة في الواقع: «هذا الجهاز يعجز عن مراقبة الأمن الغذائي، فكيف يراقب مواقف السيارات؟ أصلاً هو يفتقر إلى الموظفين عموماً، والكفوئين منهم خاصة».