ليال حداد«إذا سياسة ما بدي إحكي». وعبثاً تحاول إقناع الشاب العشريني بأن المطلوب هو معلومات عن مهنته ويوميّاته كـ«فاليه باركينغ» في إحدى حانات الجميّزة. «إنتو الجرايد كلكن هيك»، ويشرح ربيع سبب غضبه وسخطه على الصحف اللبنانية «منذ شهرين أتت إحدى الصحف وتحدّثت معنا عن مهنتنا، وفي إطار الحديث تطرّقنا إلى المواضيع السياسية»، وبعد يومين فوجئ ربيع ورفاقه في المهنة بأن الصحيفة لم تنشر سوى الكلام السياسي، ما سبّب لهم بعض المشاكل مع أصحاب الحانات.
ولكن بعيداً عن المشاكل مع الصحف، يبدو عمل ربيع ممتعاً، أقلّه من وجهة نظره «بحبّ سوق، بحب السيارات وما معي مصاري». انطلاقاً من هذه المعادلة اختار ربيع العمل الليلي في ركن سيارات الساهرين في الحانة «أقود أحدث أنواع السيارات، تلك السيارات التي لن أتمكّن من اقتنائها في حياتي». العمل متعب، دون شكّ، ولكن ربيع تعوّد دوامه الذي يبدأ 7 مساءً وينتهي عند الـ4 فجراً «نجد الوسائل المناسبة للتسلية، فلا ملل في عملنا»، ومن بين وسائل التسلية هذه «التنمير» على الساهرين «في هذا العمل تشاهدين أنواع شباب لا تصادفينهم في الحياة اليومية، وخصوصاً هؤلاء الذين يصرفون ويبذّرون بدون حساب».
إلا أن عمل الـ«فاليه» لا يبدو دائماً بهذه المتعة، وخصوصاً «بس يكون في زبونات زنخين» يقول شادي، وهو مسؤول عن ركن السيارات في أحد فنادق الحمرا. مضت سنتان على اختيار شادي لهذه المهنة. وخزّن مجموعة من الأحداث التي صادفته وساعدته على تقويم الزبائن، فهناك الشخص الذي لا يهتمّ إذا حصل حادث لسيارته أثناء ركنها «ما دام الموقف مؤمّناً وسنعوّض له». وهناك من يحوّل «الحبة قبّة» بسبب جرح صغير غير ظاهر في سيارته. ويشير شادي إلى مرآة مكسورة على مكتبه «لمّا صاحب السّيارة شافها بهدلنا، بينما في زلمي تكسّرت سيارتو وقلّنا فِداكن بكرا التأمين بيصلّح». ولا تقف معايير تقويم الزبون عند هذا الحدّ فلـ«البقشيش» الذي يدفعه الزبون دور مهمّ. ورغم أن تعرفة الفندق هي 5 آلاف ليرة لبنانية إلا أن بعض الزبائن «بيعطونا أكتر بكتير»، ومنهم من يصرّ على مناقشة «الفاليه» عن سبب هذه التعرفة «المرتفعة»! وتبريراً للارتفاع النسبي لتعرفة «الفاليه» في الفندق، يتحدّث شادي بغموض عن «المبالغ الخيالية» التي يدفعها صاحب الموقف لاستثماره سنوياً «والخمسة آلاف مش حرزانة قدّام هيدا المبلغ». ويعلن الشاب أن المتذمرين هم غالباً من اللبنانيين «والسيّاح كرماء جداً معنا، إذ يعطوننا مبلغاً مضاعفاً أو أكثر من المبلغ المطلوب».
يضحك نبيل الذي يعمل في أحد مطاعم البيتزا في شارع الحمرا على وصف السيّاح بالكرم «اللبناني كريم وبيعطينا أكتر من العربي والأجنبي». إلا أن المال الذي يقبضه نبيل لا يعوّض عن بعض المواقف «المتعبة» التي يواجهها يومياً في عمله. يشير بإصبعه إلى شارع الحمرا، «أوقات البرمة بالشارع بتاخد نص ساعة بالعجقة»، وهو أكثر ما يتعب نبيل، ولا سيما حين يكون الطقس حاراً.


تقنيات البلف

غالباً ما يجد «فاليه الباركينغ»، وهو تعبير بالفرنسية يعني «خادم المرأب»، ولا سيّما في الفنادق الكبيرة في بيروت وسائل لـ«بلف» الزبون، كما يروي بعض الشباب. وعادة تكون أفضل الأوقات من أجل ذلك الليل. فالمرء يريد السهر، وهو يستعجل لدخول المكان الذي يمضي سهرته فيه مع أصحابه. ففي أحد فنادق منطقة المنارة، يرفض «الفاليه» أخذ السيارة بحجة أن الموقف امتلأ. إلا أن عشرين دولاراً تبدو أكثر الأحيان، أو لنقُل كل الأحيان، كافية لحلّ المشكلة. فهذا المبلغ «يخلق مكاناً في الموقف من تحت طقاطيق الأرض» كما يقول إيلي، الذي صادفه هذا الموقف مرتين في أحد النوادي الليلية الواقعة على سطح هذا الفندق.