وسام اللحامأثار موضوع صلاحيات نائب رئيس مجلس الوزراء جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية، فقام البعض بحملة شعواء لمنع إثارة هذه القضية المحقة، لدرجة بات فيها الإرهاب الفكري سمة تطبع هذا الفريق السياسي الذي يدّعي المدنية والانفتاح، وهو يشهر الفتنة الطائفية في وجه كل من يجرؤ ويطالب برفع الظلم الذي ترزح تحته شريحة واسعة من اللبنانيين. فنائب رئيس الحكومة لا يحق له ممارسة أية صلاحية، لأن أحدهم قال إنّ هذا المنصب لا ذكر له في الدستور. لقد نسي صاحب هذا الرأي أن رئيس الحكومة بحد ذاته لم يذكر في الدستور قبل تعديلات الطائف إلا عرضاً (المادة 53 والمادة 66)، وذلك حتى دون منحه أية صلاحية ذات شأن. فالمادة 53 القديمة، تفيدنا بأن رئيس الجمهورية يعيّن الوزراء ويسمّي من بينهم رئيساً.
نستشف من هذه المادة وجود شخص ما يحمل لقب رئيس الوزراء، دون أن نعلم ما هي وظيفته، فهو مجرد الأول بين الوزراء. أما المادة 66، فهي تنص على أن بيان خطة الحكومة يعرض على المجلس بواسطة رئيس الوزراء أو وزير يقوم مقامه.
نستقي من هذه المادة الصلاحية الوحيدة التي منحها الدستور لرئيس الوزراء، ألا وهي عرض خطة الحكومة، أي البيان الوزاري، على مجلس النواب، وحتى هذه الصلاحية المنفردة ليست حكراً عليه، بل أي وزير يستطيع أن يحل محله في تأديتها. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: لماذا مارس رئيس الوزراء صلاحيات تفوق بكثير تلك التي منحه إياها الدستور؟ الإجابة عن هذا السؤال واضحة وجلية ولا تحتاج إلى الكثير من الشرح. فلا يخفى على أحد أن رئيس الوزراء في لبنان لا يحتل منصباً سياسياً فقط، بل هو يمثل طائفة كبيرة في البلد، فاستفاد من الأعراف والتقاليد التي خوّلته أن يكون شريكاً أساسياً في الحكم على الرغم من ضعف، لا بل شبه انعدام، صلاحياته الدستورية.
انطلاقاً من هذا الواقع، ألا يمثل نائب رئيس مجلس الوزراء طائفة كبرى في البلد؟
ألا يحق له أن يمارس الصلاحيات التي كان يمارسها حسب الأعراف قبل اتفاق الطائف؟
فالرئيس كميل شمعون عندما عيّنه رئيس الجمهورية سليمان فرنجية نائباً لرئيس
الحكومة بموجب المرسوم 10915 الصادر في 15 أيلول 1976، مارس كل صلاحيات رئيس الحكومة رشيد كرامي الذي استنكف عن ممارسة صلاحياته نتيجة لموقفه من العهد. فالرئيس شمعون كان يوقّع حتى على المراسيم بصفته «رئيس الوزراء بالوكالة».
لذلك يتبيّن لنا أن تمتع نائب رئيس مجلس الوزراء بصلاحيات عند غياب رئيس الحكومة لسبب قاهر هو شرط أساسي لتأمين استمرارية عمل السلطات العامة. فلنفترض مثلاً أن رئيس مجلس الوزراء كان خارج البلاد أو كان يعاني مرضاً خطيراً أو في حالة من الغيبوبة، فهل يعقل أن يشل مجلس الوزراء، هذه المؤسسة التي أناط بها الدستور السلطة التنفيذية، بسبب غياب رئيس الحكومة؟ ولنفترض أيضاً أن حالة الغيبوبة (بمعناها الطبي أي الكوما) طالت عبر الزمن واستمرت أشهراً عدة، فهل من المنطق أن تعجز كل السلطات الدستورية عن وضع حد لهذا الوضع الشاذ؟ فالحكومة لا تستطيع أن تستقيل إلا اذا استقال رئيسها، ولا يمكن حتى أن تُعدّ مستقيلة حتى لو استقال أكثر من ثلث أعضائها، لأن قبول الاستقالة يحتاج إلى مرسوم يوقّعه رئيس الحكومة. يبقى فقط أن ينزع عنها مجلس النواب الثقة، لكن هذا الأمر دونه عقبات شتى، وخاصة إذا لم يكن المجلس في عقد عادي أو استثنائي يتيح له أمراً كهذا.
إن هذه الأدلة تثبت بما لا يرقى إليه الشك أن الذين يتشدقون بمنطق الدولة هم أنفسهم الذين يعارضون تحوّل مجلس الوزراء إلى مؤسسة فعلية لا تخضع إلى الأشخاص والأهواء الفردية.