فداء عيتانيلا شك في أنّ إطلاق سمير القنطار يمثّل نقطة تحوّل في كسر قدرة الإسرائيلي على فرض إرادته، بعدما نجحت حرب تموز في منعه من تحقيق أي من أهدافه عسكرياً. إلا أن في عملية التبادل الأخيرة ما هو أجدر بالنظر. فمع الجثامين العائدة، يصل رفات دلال المغربي التي تمثّل عودتها حدثاً بحدّ ذاته. سيدهَش العديد من أطفالنا ومن اليافعين من الحديث عن دلال المغربي، الشابة التي قادت عمليتها، والتي قامت بما قامت به من مغامرة جريئة في خطف باص واقتياده على طريق عسكرية، مستهدفة الوصول إلى الكنيست. ثمة جيل كامل تفتّحت أبصاره على بلد ملتبس، وعلى قضية فلسطينية عنوانها المفاوضات السقيمة مع العدو الإسرائيلي، وعلى شعارات عن الموت في غزة ومقاطعة المنتجات الأميركية، وهو جيل لا يحمل ذنب تقصير ما يطلق عليه «المجتمع المدني» والهيئات والمنظمات الثورية التي لم تعد تمارس من ثوريتها أكثر من معاندة القوى الإسلامية الحركية.
في زمن آخر، وقبل أكثر من ثلاثة عقود، قادت ليلى خالد مجموعات خطف الطائرات، وقادت دلال المغربي عملية من تخطيط خليل الوزير، وقادت لولا عبد رفاقها قبل أن تفجّر جسدها بالعدو. وغيرهنّ شارك وقاتل وناضل وسُجن واستشهد. قبل جيل كامل، كانت المرأة في طليعة قضية تحرير فلسطين، كما كانت القضية أوضح سياقاً، وكان الانقسام أكثر نضجاً، وحتى اليمين اللبناني كان أكثر وقاحة. كان بيار الجميل يجتمع على متن الزوارق الحربية مع العدو، بينما كانت القوى اليسارية والمنظمات الفلسطينية تحفر الخنادق في الجنوب وتتدرّب على القتال.
في زمن آخر، وقبل أن تنهار الأحلام الكبيرة، وقبل أن تصبح العولمة البديلة عبارة عن مضاد للعوارض الجانبية للعولمة الرأسمالية، كان للمرأة دورها الرائد، وللقضية مكانها الكبير، ولم تكن فتح قد غرقت بعد في توزيع الإعاشات والمعاشات والرواتب. واليوم، ومع عودة دلال المغربي وسمير القنطار ورفات المقاومين من كل الجنسيات العربية، يمكن اكتشاف المسافة التي تفصلنا عن أحلامنا.
شكراً للمقاومة التي أعادت إلينا أحلامنا وساعات من طفولتنا سمعنا فيها باسم دلال ورأينا فيها الملصقات التي تحمل صورها تحت شعار «العاصفة».