إبراهيم الأمينيستطيع محمود درويش فعل ما يشاء بنفسه، بأشعاره، وكلماته، وعواطفه أيضاً. يحق له أن يتعب وأن يصاب بالسأم والملل من الثورات ورجالاتها، وأن يرتاح بعيداً عن أزيز الرصاص، وصرخات المحتجّين والمنهكين في أرض فلسطين ومن حولها، وله فوق كل ذلك الحق في تمزيق ما شاء من صفحات تاريخه... وأن يركض خلف ما يهواه، ربما قبل عقود عدة.. وليس لأحد منّا أن يسأله إلى أين الوجهة؟
كذلك، يحق لنا أن نستمر في حفظ أشعاره وتحويلها أغنيات وأناشيد يرتاح إليها الثوار من كل حدب وصوب، ويحق لنا أن نحفظ صوته يغني للقدس وبيروت والمقاومة في كل مكان، ويحق لنا أن نبقيه في صورة مَن كان واحداً من الذين عاشوا أصعب أيام مقاومة الظلم والاستعمار، ويحق لنا أن نواصل استخدام إرثه في قلب معركة مفتوحة حتى إزالة إسرائيل، كل إسرائيل، ويحق له أن يسألنا عن بُعد: ما أنتم بفاعلين؟
ويمكننا أن نسأله أن يجول على دول العالم، الممنوعة على أهله وأبناء بلده، وأن يدخل القصور الرئاسية وأندية أهل الثقافة والسلطة، وأن يعيد إليهم كل الجوائز وكلمات التقدير، وأن يطالب بمبادلته كل هذه الأشياء بحرية أطفال ونساء ومرضى يقبعون في سجون الاحتلال، ولا سبيل لإخراجهم سوى المقاومة.. فهل له أن يدلّنا على طريق آخر من خارج الثورة!
اذهب، وغنِّ لنفسك ولصباياك اللواتي أحببت فيهنّ الركض خلفك، ثم أحبطك العجز عن ملاقاتهن، واذهب إلى حيث تحسَب، عن حق أو عن بغض، أن لك مكانك الذي لا يخرج منه مراهق، سرق كتاباً من درج والده، وناداك راغباً في سماع حكايتك عن ليمون حيفا وزيتون القدس، لكن تذكّر أن الرصيد الذي لك في كل العالم، حتى لدى أولئك القابضين على روح فلسطين، أصله وفصله ونسبه من عائلة واحدة اسمها: المقاومة!