برّي يتّصل بالحريري وسليمان ينفي حصول ضغوط من بعض الدول للتوزيربعد مضي أسبوعين على توقيع اتفاق الدوحة، و11 يوماً على إنجاز ثلثه الأول، لا يزال تحقيق الثلث الثاني في علم غيب محاصصة الحقائب والتوزيع الطائفي والمذهبي، مع بدء بروز مواقف ــ رسائل قد تعيد الأمور إلى نقطة الصفر
وسط إعلان تلفزيوني، عن بيان لم يصدر رسمياً، يلوّح فيه تيار المستقبل بأنه في صدد تعليق الاتصالات لتأليف الحكومة، واصل الرئيس فؤاد السنيورة زياراته الرئاسية، فالتقى أمس رئيس مجلس النواب نبيه بري لمدة ساعة، وصف بعدها اللقاء بالجيد، وتحدث عن التقدم كل يوم «بشكل حثيث»، وقال: «لسنا جامدين»، و«إننا على الطريق الصحيح»، لكنه كرر أنه لن يرتبط بموعد محدد، مردفاً: «نحن نريد الوصول إلى تأليف الحكومة، وبالتالي لا نسأل كم ستحتاج من الوقت... انتظروا وسيكون ذلك خيراً».
ولأن زيارته إلى عين التينة تزامنت مع الإشارة إلى البيان، كان من الطبيعي أن تتمحور أسئلة الصحافيين للسنيورة حول قراءته له، وما إذا كان «هجوماً شخصياً» عليه بسبب توقيته، فقال إن «هذا الموضوع تجري معالجته، وبالتالي يجب النظر إلى الأمام وسنتخطاه». ويبدو أن ما قصده بالمعالجة هو الاتصال الهاتفي بين بري والنائب سعد الحريري الذي لم يرشح شيء عن تفاصيله.

«لا أحد يستطيع أن يضغط على بعبدا»

وكان رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان قد أشار أمام السفراء ورؤساء البعثات الدبلوماسية العربية الذين زاروه للتهنئة بانتخابه، إلى أن تأليف الحكومة يواجه «التعقيدات اللبنانية نفسها»، لكنه شدد على أن الأمور «تحلّ بالحوار والهدوء ومن دون توتر. وهذا ما نأمل أن يستمر حتى نسعى بعد تأليف الحكومة إلى إطلاق عملية الحوار في بعبدا حول كل المواضيع التي جرى النقاش حولها والتي أقرّت في الجامعة العربية واتفاق الدوحة». ونفى ما يقال عن ضغوط من بعض الدول على بعبدا «حول وزراء وحقائب معينة»، وقال: «لا أحد يستطيع أن يضغط على بعبدا إلا المصلحة الوطنية العامة، وبالتأكيد المصلحة العربية المشتركة. إلا أن المصلحة العربية لا تكون بالتدخل في توزيع حقائب أو طرح أسماء أو وضع موانع أمام اسم أو حقيبة معينة». وأعرب عن تطلعه «إلى استكمال المصالحة العربية»، معتبراً أن الأخطار التي تهدد الدول العربية هي نفسها، ومنها خطرا الإرهاب «والعدو الإسرائيلي الذي يجب أن نواجهه معاً، ونسعى إلى السلام الشامل الذي يعيد الحقوق إلى أصحابها». وتعهد أمام وفد من المديرية العامة للجمارك بالتركيز «على مكافحة الفساد من خلال تسمية الفاسد وعدم تغطيته».
وأكد سليمان للموفد الخاص لرئيس الوزراء البريطاني في الشرق الأوسط، مايكل وليامز، تمسّك لبنان بتحرير مزارع شبعا والأسرى في السجون الإسرائيلية، وطالب الحكومة البريطانية بالعمل لمنع الانتهاكات الإسرائيلية للسيادة اللبنانية وللقرار 1701، وبدعم إيجاد حل عادل وشامل للشعب الفلسطيني. وزار وليامز أيضاً، ترافقه السفيرة ماري فرنسيس غاي، بري والسنيورة والرئيس أمين الجميّل والوزير فوزي صلوخ والنائب ميشال عون، وأعلن أن وزير خارجية بلاده ديفيد ميليباند سيزور لبنان الاثنين المقبل، معرباً عن سرور بلاده باتفاق الدوحة «والآمال التي جلبها للبنان». وقال: «سنفعل كل ما في وسعنا من جهتنا لدعم هذا الاتفاق». وإذ أمل تأليف حكومة جديدة، لفت إلى أنه كزائر شعر «بأن تطوراً حقيقياً قد أحرز في هذا الإطار».
وقال الجميّل بعد لقائه وليامز: «ليس من المفروض أن يتأخر تأليف الحكومة، كل الأمور أصبحت واضحة، ومن بينها النسب، ويفترض توزيع الحقائب في شكل عادل بين القوى السياسية. ثمة تقاليد وأصول متّبعة، ويجب التوقف عندها، ويفترض أن تتألّف الحكومة قبل زيارة الرئيس الفرنسي للبنان السبت المقبل، وأن تكون الحكومة الجديدة في استقباله». وكان قد شدد في حديث صحافي على ضرورة السرعة في تأليف الحكومة لأن «ثمة مخاوف أمنية كبيرة لا تزال تهدد البلد، وتصلنا إشارات إلى أن أصحاب السوء لم يتقاعدوا بعد»، داعياً إلى «أخذ الحيطة وعدم الاسترخاء في التدابير الاحترازية، في مرحلة مليئة بالاستحقاقات والأخطار».
وإذ رأى النائب علي خريس أن «الأجواء لا توحي بوجود عقد وخلافات شائكة أو خلافات كبيرة»، شدد على وجوب حل الأمور العالقة «بأسرع وقت ممكن، لأن الحكومة يجب أن تؤلّف في وقت قريب حتى تبدأ عملها ودورها بالشكل المطلوب والصحيح». ونفى ما يقال عن خلاف داخل صفوف المعارضة، مؤكداً أن أجواء الاتصالات بين التيار الوطني الحر وحركة أمل «جيدة وإيجابية، وعقدة وزارة الصحة قد حلّت».
وحذر النائب إسماعيل سكرية «من وجود أطراف سياسية لا تريد تسهيل تأليف حكومة وحدة وطنية، لحسابات بعضها داخلي وبعضها الآخر خارجي، رغم غزير الكلام المعسول الذي يملأ الأجواء»، وطالب «الطبّاخين، ببعض التضحية والمسؤولية والإسراع، حرصاً على شعار الوحدة الوطنية الذي بات مهدداً باستهلاكه في سوق التبادل الحقائبي وبإفقاده صدقية هي شكلية بالأساس».
وعزا النائب إبراهيم كنعان العقبات التي تؤخّر ولادة الحكومة، إلى أن «الساحة السياسية تشهد للمرة الأولى منذ أكثر من 15 عاماً تشكيل السلطة التنفيذية في شكل ديموقراطي سليم يعترف بالجميع ويقرّ بحقيقة الأحجام. وهذا لن يحدث بين ليلة وضحاها، وخصوصاً أن بعض المشاركين في الحكومة المقبلة لم يعتادوا هذا النمط، ويلزمهم بعض الوقت لقبول فكرة أنه لا توجد وزارة مطوّبة باسم أي طرف أو طائفة، ولاعتياد المعايير الديموقراطية الجديدة، لأن التغيير بدأ». وطالب بري بعقد جلسة إقرار التقسيمات الإدارية «في أسرع وقت ممكن»، داعياً كل «من يدّعون أنهم صنعوا اتفاق الدوحة، إلى النزول إلى مجلس النواب وإقرار التعديلات والإصلاحات في قانون الانتخاب». واستقبل عون أمس، وفداً من «لقاء الأقليات المسيحية»، استمع منه إلى شرح عن ظروف نقل مقعد الأقليات إلى الدائرة الثالثة في بيروت، وأبدى تفهّمه «لبعض ظروف» ما حصل في الدوحة و«أن لا يكون مقعدنا حجر عثرة في وفاق لبنان»، لكنه طالب بإعادة النظر في نقل المقعد إلى «حيث ينعدم أي إمكان للمنافسة». كما تساءل عن سبب عدم تمثيل الأقليات في الحكومة.
وتعليقاً على ما تردد في بعض وسائل الإعلام، أكد النائب قاسم عبد العزيز، أن التكتل الطرابلسي «من صلب 14 آذار كحركة سيادية استقلالية»، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن حركة 14 آذار ليست حزباً واحداً بل تجمّع متنوّع ومتعدد للقوى السياسية». وإذ لفت إلى أن التكتل أبلغ السنيورة تمسكه بحقيبة وزارة الأشغال العامة والنقل، وأن الوزير محمد الصفدي «لم يرغب في إعطاء اسم محدد لتولّي هذه الحقيبة لتسهيل تبلور المشاورات»، أكد أنه شخصياً كان وما زال يرشح الصفدي لهذا المنصب.

هجومان على «المستقبل» وتوزير جعجع

وحصر النائب أنطوان زهرا مشكلة تأليف الحكومة بمطالبة عون بـ5 حقائب أساسية، سواء كانت سيادية أو خدماتية، معتبراً ذلك «قضية مستحيلة». وقال إن ترشيح رئيس الهيئة التنفيذية للقوات اللبنانية سمير جعجع للتوزير «أمر جدّي للغاية»، وإن عماد واكيم من الأسماء المطروحة، كما ذكر أن توزير منصور غانم البون «ليس محسوماً بعد، وليس واضحاً من أطلق هذا الكلام، فهو ليس قراراً نتيجة اجتماع أو تشاور بين أفرقاء قرنة شهوان».
في هذا الوقت، استغل جعجع، الذي زاره أمس السفير المصري أحمد فؤاد البديوي، فرصة لقائه وطلاب من جامعة هارفرد، لـ«يشرح لهم مسألة المواجهة في لبنان بين مشروعين متعارضين»، مجدداً اتهامه لسوريا وحزب الله بأنهما «يريدان استمرار الوضع على ما هو عليه»، ومكرراً أن وثيقة الدوحة «هي أول وثيقة عربية لا تذكر المقاومة، بل تصف حزب الله بالمنظمة المسلّحة». ورأى أن الثلث المعطل «في هذا الوقت لا يقدم أو يؤخر، لأن الحكومة الحالية وظيفتها الإعداد للانتخابات النيابية».
وأمس انضم لقاء الجمعيات والشخصيات الإسلامية إلى معارضي توزير جعجع الذي وصفه بـ«المجرم القاتل»، مطالباً بـ«عدم إعطائه صك براءة أو صفة شرعية وحصانة دبلوماسية، بل ينبغي تجريمه وإعادة محاكمته، وذلك إنصافاً للمسلمين السنّة في لبنان ولكل اللبنانيين، وخصوصاً منهم المسيحيين الذين نالهم ما نالهم من الضرر والأذى ومن المجازر التي طالت حتى المقرّبين منه والمناصرين له».
أما النائب السابق عدنان عرقجي، فاتهم تيار المستقبل بـ«التسلط على الطائفة السنّية» والسعي إلى مصادرة قرارها، معتبراً أن ممارساته «ستخلق شرخاً كبيراً داخل الطائفة»، وحمّل الحريري «وفريقه الحاقد مسؤولية الحوادث الأخيرة في بيروت»، مؤكداً أنه «لولا إصرار هذا الفريق على التفرد بالسلطة وتجاهل الشركاء في الوطن لما حصل ما حصل».
وكان مفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني قد غادر والأمين العام للجنة الوطنية للحوار الإسلامي المسيحي محمد السماك، أمس، إلى السعودية، للمشاركة في مؤتمر الحوار الإسلامي العالمي، وشدد في المطار، رداً على سؤال، على «أن المناصفة بين المسلمين والمسيحيين في لبنان هي قاعدة دستورية وميثاقية يجب أن لا تمس تحت أي ذريعة، ليكون الأمان والاطمئنان قوياً وراسخاً بين اللبنانيين، مسلمين ومسيحيين، وإلا فإن كثيراً من القواعد الدستورية في الوفاق الوطني والعيش المشترك بين اللبنانيين سوف تكون معرضة للانتهاك في مستقبل الأيام، وهو أمر يبعث على القلق لدى جميع اللبنانيين». وقال: «إن اتفاق الطائف كان واضحاً جداً من حيث تحديد المسؤوليات والصلاحيات في إطار الرئاسات الثلاث، كما نص على ذلك الدستور، ونحن ملتزمون اتفاق الطائف نصاً وروحاً، وبخاصة لجهة المناصب الأساسية في البلاد، ولجهة المناصفة بين المسلمين والمسيحيين التي يجب أن لا تختل قاعدتها بأي شكل من الأشكال تحت أي ادعاء».
على صعيد آخر، أعلن مركز الأمم المتحدة للإعلام أن المنسّق الخاص الجديد للأمم المتحدة يوهان فربيكي، وصل إلى بيروت أمس، للاضطلاع بمهامه كخلف لـ«غير بيدرسون»، مشيراً إلى أن من بين هذه المهام تمثيل الأمين العام للمنظمة الدولية، ومتابعة تنفيذ القرار 1701. ووزع نبذة عنه، ذكر فيها أنه «دبلوماسي متمرّس، انضم إلى وزارة الخارجية البلجيكية منذ عام 1981، عمل في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا الوسطى وأميركا الجنوبية ، كما أنه عمل بصفة نائب رئيس بعثة في واشنطن، وبصفة المسؤول الأعلى في مكتب وزير الشؤون الخارجية في آخر مهمة له في بروكسل». وقبل تعيينه في لبنان، شغل منصب الممثل الدائم لبلجيكا لدى الأمم المتحدة في نيويورك منذ أيلول 2004.