من يملك الآثار: الدول حيث عثر عليها، أم المتاحف التي احتوتها، أم أنها ملك للبشرية، وبالتالي معدّة لأفضل العروض؟ نقاش حامٍ يدور في الجامعات الأوروبية والأميركية، وهو الآن يتوسع ليطال الطلاب وكل من له صلة بالموضوع
جوان فرشخ بجالي

تتميز متاحف الدول التي احتضنت أرضها الحضارات القديمة بعرضها لقطع استخرجت من أرضها فقط. فتلك المتاحف، كالمتحف الوطني في بيروت، أو متحف بغداد أو القاهرة أوعمان أو دمشق أو أثينا أو روما... تعرض آلآف القطع التي تخبر تاريخ بلادها عبر الزمن، من دون أن تتطرق إلى تاريخ دول أخرى مثل الصين، وبالتالي هي لا تشتري الآثار المطروحة في الأسواق. لذا، فهذه المتاحف لا تدخل أبداً في متاهة الإجابة عن أسئلة جوهرية مثل «شرعية امتلاكها لآثارها» وتتحول مع الوقت إلى مراكز دراسات معمقة عن الحضارات التي سكنت أرض الوطن سابقاً، وتصبح هي القلب النابض لأهل الاختصاص. وهذا من مميزات متاحف الدول الغنية بالآثار القديمة، فهي «مصدرة» للثقافة والتاريخ، في حين أن دول أوروبا الشمالية مثلاً والولايات المتحدة وكندا هي دول «مستوردة» لثقافة الشعوب القديمة. فالمتحف البريطاني، واللوفر، والمتروبوليتان، ومتحف برلين... أنشأت مجموعاتها التي يتخطى عدد القطع فيها مئات الآلاف من تنقيبات أثرية خطط لها ونفذت أيام الإمبراطورية العثمانية أو بعد ولادة علم الآثار في الغرب، وقبل أن تستوعب دول العالم القديم أهمية هذا العلم.
لكن هذا الواقع الذي تقبل الدول اليوم التعامل معه، بات مرفوضاً في بعض الأوساط الحديثة النشأة في الغرب. فقد بدأ مبدأ جديد يطرح نفسه، وهو أن الآثار ملك للجميع، لذا فالمشاركة بها واجب على الجميع، وهذا نقاش يطال بالطبع لبنان ودول المنطقة. وكتاب «من يملك الآثار: المتاحف والمعركة حول تاريخنا القديم» الذي نشره جايمس كونو، مدير مركز الفنون الجميلة في جامعة شيكاغو، يلخص هذه النظرية. ففي كتابه، يستعرض كونو الوضع السياسي الحالي في مجمل دول العالم القديم ويرى «أنه ما من قانون يحمي فعلياً الآثار، بل على العكس، ففي الدول ذات الأنظمة القومية المغلقة، الأملاك الثقافية سلطة في يدِ السياسيين يمنعون النظر إليها متى طاب لهم، وبالتالي ينفون حقها في كونها تراثاً مشتركاً للبشرية جمعاء. حتى إن الآثار تستعمل لإعطاء الأنظمة السياسية امتداداً تاريخياً ولتأكيد مبدأ الهوية المنفردة. ففي هذا الإطار ترفض بعض الدول إعطاء حق التنقيب لجامعات كبرى، أو ترفض إعطاء الإذن بعرض المقتنيات الأثرية، إذا ما كانت المعارض تنافي أفكارها السياسية. وبذلك تكون هذه الأنظمة قد منعت العالم حق المشاركة بالإرث الثقافي. لذا يجب التخلي عن هذه المبادئ واعتبار التاريخ حقاً للجميع، وعدم فرض قيود عليه».
نظرية كونو جميلة ومثالية، ولكنها تسحب من الشعوب حقها في أخذ القرارات السياسية على أرضها. من المؤكد أن الأنظمة الديكتاتورية تسيّس التاريخ، ولكن ذلك يدخل في إطار نشأة الدولة والكيان الواحد، وتسييس التاريخ هو مرحلة من تلك المراحل، حينما تتخطاها الشعوب تبدأ بتكوين دولتها على أساس وضعها. وهذا بالتحديد ما شهده الغرب خلال الخمسين سنة الماضية. ففي المدارس الفرنسية كان التاريخ يدرس على أساس «أجدادنا الغوليين» ومن المنطلق نفسه يدرس التاريخ في إيران «أجدادنا الفرس».
أما من ناحية المشاركة في الحفريات والمعارض الدولية، فحينما تؤخذ سلطة التحكم بوضع الآثار من الدول، ستؤخذ منها أيضاً سلطة كيانها السياسي. فعلى سبيل المثال، الجامعات الإسرائيلية تحلم بتمويل حفريات أثرية في لبنان وسوريا... وإن اعتبرت الآثار حقاً عالمياً، فلا يمكن هذه الدول رفض الطلب، حتى إن كان هناك اختلاف سياسي، وبالتالي لم يعد لها الحق في تقرير مصير سياستها الداخلية. أما على صعيد المعارض الدولية، فإسرائيل حاولت بشتى الطرق المشاركة في المعرض الذي خصص للحضارة الفنيقية في مركز العالم العربي في باريس، من منطلق أن لديها مواقع أثرية فينيقية تماماً كلبنان وسوريا، وأن الحدود الحالية لم تكن موجودة تاريخياً. ولكن رفض سوريا القاطع وامتناعها عن المشاركة في المعرض إذا ما كان لإسرائيل فيه دور حال دون دخولها المركز.


حق المشاركة

يرى كونو أن على دول العالم القديم العمل بمبدأ «المشاركة» الذي كان مفروضاً في القرن التاسع عشر، بحيث يحق لكل جامعة تموّل تنقيبات معينة اقتناء قسم من القطع التي تعثر عليها، وذلك تفادياً لوقوع الكوارث. فلو وضعت آثار حضارة واحدة في متحف واحد، ووقعت حرب، لضاعت تلك الحضارة. في حين أنه لو توزعت لخف الخطر». ولكن جامعات العالم ومتاحفه هي الأدرى بالسرقات التي جرت خلال القرن الماضي، وإلا ما تخلت عن «حق المشاركة» الذي يجب أن يكون من الجانبين.